نقش سوري…نديم محمد.. شاعر الآلام

الملحق الثقافي:             

واحد من أهم الشعراء العرب في القرن العشرين تمرد على كلّ شيء لم يقبل العادات والتقاليد ولا الشعر اليائس اليابس نديم محمد الشاعر الاصيل ابن سورية الشاعر المجدد والحقيقي نقف اليوم عند محطّات في حياته كما نشرتها المواقع الكثيرة، ومنها اكتشف سورية ومن إعداد أميرة سلامة نعيد هذه المحطّات الرائعة ونحن نقلناها بدورنا من مجلة الأزمنة التي قدّمتها ضمن باب نجم الأُسبوع
حصان لم يعرف إلا الصّهيل والجموح، مسحت سنابكه وعورة الجبال ونامت مكشوفة وسط السّفوح، يركض مع الضّوء، وبصهيل آلامه للوجود يبوح ويبوح.
هو الشّاعر نديم محمد، الذي جازف بالمال والزّعامة، ليربح شمساً من شعر، شمساً لم تغضّ الطّرف عن الجمال والآلام، ولم تبتلع لسانها، بل كانت متأهّبة دوماً للشهوة والحبّ ولإتمام ما نقص من أعمالها:
«إلى حوّاء …خطيئتي
أنا ألبستُك الحياة
وأسكنتُكِ دار الخلود
يا حوّائي»
هذه هي لغة نديم محمد، مرآته، ومعشوقته الأولى التي أدخلتْه في كهف المحارم، وهذا هو صوتها الذي نقل للآذان حقيقتها، فلو لم يشته نديم محمد هذه اللغة ويمارس معها الحبّ، لما استطاع شعره أن يسحرنا.
حياته
ولد الشاعر نديم محمد، يوم الخميس في الخامس والعشرين من شعبان سنة 1327هجرية (1908م)، في قرية عين شقاق، والتي تبعد عن مدينة اللاذقية أربعين كيلومتراً تقريباً إلى الجنوب الشرقي.
أمّه مزنة بنت عباس بنيات، وكان والدها من أوجه أهل قضائه، وأوسعهم رزقاً، وعُرفت بالإنسانية والرّقي.
كان صوت والده محمد حسن، المعروف بالجود ورجاحة العقل، ومعاملته الطيبة للجميع، يهدر زاجراً أبناءه: «إن نديم يغرف من قلبه، ويعطي من دمه، اتركوه»، وقد ترك هذا القول أكبر الأثر في نفسه.
لم ينس نديم محمد الزعقة العاصفة التي أطلقها المشايخ في وجه أبيه، عشية سفره إلى مونبيليه:
«كُفرٌ هو تعلّم اللسان الغريب، نجَس هو طعام الغرباء، ابنك «خاس» (أي ضاع)».
أدى هذا الهجوم الهائل على الشاب الشاعر، إلى كبته، وتهافته على الخمرة، ظناً منه أنها ستحل مشاكله، إضافة إلى لسعات الحبّ التي عانى منها المرارة، فانطلقت من شعوره الحبيس الذبيح، قصائد راعفة بالدخان والشرر، سوداء، حمراء في جملتها: «آلام»، حيث سجل الشاعر كلّ مكنوناته التي أخفاها عن أنوف المتطفلين والفضوليين.
نديم محمد في شبابه
كان نديم واسع الجبين، له أنف أشمّ، يسير شامخاً كنسر، لا يطيق الأحاديث الجدّية، سريع البديهة وسليط اللسان، لا يفكّر قبل أن يطرح آراءه، فهي بالنسبة إليه قول فصل لا جدال فيه. تجرأ الطفل نديم، منذ أن بلغ الرابعة عشرة من عمره، على استخدام أفحش الصّفات وأقذعها لأتفه الأسباب، فشكّل شعر الهجاء، عنده أكثر من نصف شعره، رغم أن المجلدات الخمسة التي صدرت له لا تضمّ من الهجاء سوى ديوانه «فرعون» المخصص لهجاء جمال عبد الناصر.
جذبتْه العصافير فحلّق معها، ونادته الأنهار فسبح في أعماقها، تحدّى إباء الأشجار فتسلّقها، وطارد الأفاعي مسيطراً عليها، حتى أنه أطلق على الحيوانات أسماء خاصة، يناديها بها حين يريد، ويزجرها فتلبّيه مبتعدة عنه.
أصغى نديم محمد الطفل بصمت إلى قصص وحكايا الضيوف عند كلّ مساء. وقطع المسافات راكضاً، متوغّلاً في الجبال والوديان والحراج. تعارك مع الصّبْية ولم يُغلب، وقادهم في ألعابهم، وسبقهم في القراءة.
تعلم نديم محمد، على يد شيخ الكتاب، وأُرسل بعد ذلك إلى مدرسة العنّازة، فحفظ فيها عن ظهر قلب مضمون الحلقتين الأولى والثانية من سلسلة «قواعد اللغة» للشرتوني، ثم انتقل إلى مدرسة التجهيز (frere) – أي الأخوة – في اللاذقية سنة 1921، وانتقل سنة 1922 إلى جبلة، ثم عاد إلى قريته عين شقاق.
حاز الشهادة الابتدائية سنة 1925، وفي سنة 1926 ضمّته مدارس «اللاييك» في بيروت، وكتب يحيّي شهداء السادس من أيار، ومهاجماً فرنسا التي كانت تحتل لبنان وسورية متباهياً بأنه لم يمدّ للمستعمر سوى السيف، ويد الغضب والرفض والمقاومة، كما مجّد شعره الحرية بعد جلاء الاستعمار.
سافر بعدها إلى مونبيلييه في فرنسا، حيث أتمّ الدراسة الثانوية، وحصل على إجازة الآداب الفرنسية. ثم درس الحقوق في سويسرا، وفي برن، ولكن أنذرته السلطات السويسرية بمغادرة أراضيها، إثر تلقّيها اتصالاً من القنصل الفرنسي، ثم أعيد مرغماً إلى سورية في حزيران سنة 1930.
الوظائف التي كان ما يلبث أن يشغلها حتى يستقيل منها.
فتحت الوظيفة عيني الشاعر على الهوة التي يمكن أن يتردّى فيها الآدميون، وهم خضّع خنّع، يجرهم إليها، ويكبكبهم تحت ظلماتها وسواس الشره والحسد، وشيطان الغيرة والانتقام.
وجاءت وفاة والده، مثل زلزال قصف الأرض من تحته، فتخلّعت منه أعصابه، وانفجرَت بعده بسنين، أكبر حادثة مخربة مدمّرة في حياة الشاعر، حين توفّى أصغر أخوته بمنجل السياسة، وعلى يد أربابها عام 1948 وهو طالب، ينتظر النتيجة لنيل إجازة الحقوق، فسافر إلى بحنّس، حيث عانى من العزلة، والقبح النفسي، فانهمر شعره دخاناً وعطراً على دنيا الواقع ليسهم في معارك الحياة في مختلف ميادينها، وانسفكت حياته ظلاماً وفجراً، وصار عنده الملل والمرح، صنوان، والألم والغبطة في نفسه توأمان.
1ـ عام 1933، عُيّن بوظيفة كاتب، واستقال.
2ـ عيّن أميناً لسر المحافظ إحسان الجابري.
3ـ مراقباً في مؤسسة الميرة.
4ـ مديراً لناحية حزّور.
5ـ مديراً لناحية الشيخ بدر عام 1948.
6ـ رئيساً للمركز الثقافي في الحفّة.
الشاعر نديم محمد
وعن شعر هذه الأيام كان الشاعر نديم محمد يرى أن الشعر في سورية، «خَلق أدركه الانحلال، وهو يسير في أعقاب الأخلاق المنحلّة، وأنه لتطغى عليه أمواج من السياسة والتجارة، فيغرق أو يكاد، بحجة الانعتاق من المحافظة والركود، والتبرّؤ من الخيالية والرجعية، وبذريعة الانصراف عن الزخرف التافه، أو اجترار الترف المنعزل، وإعلاء صرح التقدّمية، وليس إلاَّ على أساس الخفة والتحرر من قواعد اللغة، وشروط الوزن والقافية وتلزيم الفكر آراء واتجاهات معينة، واستخدامه استخداماً مادياً جافاً مجرداً من جماليات البيان والرجاحة والعاطفة، بمعنى أن لا يكون شعراً، ولا يجوز أن يكون شعراً بجلاء ومفهوم هذه الكلمة».
نديم محمد، شاعر الألم والحزن والانكسار، كما هو شاعر النهوض و التمرد والعنفوان، ومن الملامح البارزة في شعر نديم محمد على تعدد أغراضه، ارتباطه بالواقع الحياتي الذي عاشه بكّل أبعاده الإنسانية والاجتماعية والوطنية والقومية، فجاء أشد لصوقاً بمشاعره وأحاسيسه وانفعالاته، بحيث أنه رسم صورة متكاملة الملامح لمعاناته التي كانت مثقلة بالانكسارات والقلق النفسي من واقعه المضطرب، وأبت عليه رهافة الحس وصفاء السريرة والمشاعر الإنسانية السامية إلاَّ أن يواصل رحلة العنفوان والكبرياء عبر الفسحة الزمنية من العمر التي منحها الله له، فهو ليس عالماً شعرياً واحداً بل مجموعة عوالم، وهو عصر متميز من عصور الشعر العربي الخالد ومن شكواه من صحبه ومجتمعه واعتزازه بنفسه وبشعره،
1948ـ 1956، حتى هزيمة 1967 ثم حرب لبنان نديم ليرحل إلى قريته، وفي عام 1993 أهدى الرئيس حافظ الأسد قصيدة «فيض الخاطر» قبل وفاته بأقل من عام. من أعماله
ـ «آلام» بأجزائه الثلاثة، 1953، وأعيدت طباعته عام 1985، عن دار الحقائق، بيروت.
ـ «فراشات وعناكب»، دار المعجم العربي، الطبعة الثانية عن دار الحقائق، 1985.
ـ «آفاق»، 1949ـ 1985، المطبعة الأهلية بحماة، 1958.
ـ «فرعون»، منشورات دار الثقافة في دمشق، 1960.
ـ «ألوان»، 1965، عن مكتبة ومطبعة الزهراء.
ـ «رفاق يمضون»، منشورات أطلس.
ـ «الأعمال الشعرية الكاملة»: ويتضمن الدواوين: «من وحي الوحدة»، «أشواك ناعمة»، «زهور وشتاء»، «صرخة ثائر»، «شاعر وصومعة»، «صمت الرّعود»، وصدرت الطبعة الأولى لهذا المجلد عن دار الحقائق في بيروت، 1988.
ـ «فروع من أصول»، دار مجلة الثقافة في دمشق، 1993.

– المجلد الرابع والخامس، 1998، ويتضمن الدواوين: «رفاق يمضون»، «من حصاد الحرب»، «من وحي الوحدة»، «فرعون»، «صمت الرعود»، «زهور وشتاء»، «أشواك ناعمة»، «شاعر وصومعة»، «صرخة ثائر»، «وصف أحوال».
من تراثه غير المنشور
ـ «شلحاويات»: قصائد نضالية ضد الاستعمار الفرنسي.
ـ «إخوانيات»: أبيات للأصدقاء، 1931.
ـ «استظهار الماضي»: مذكرات عما جرى للشاعر خلال نصف قرن مؤيداً بوثائق.
ـ «أعشاب مروج»: ديوان نظمت قصائده ما بين 1938ـ 1948، تتكلم عن «معركة في البحر» وتصف حالة الحرب العالمية الثانية.
ـ «براعم وربيع»، 1921 و1934، «قصة واقعية وضعها الشاعر بالفرنسية ونقلها إلى العربية».
ـ «تيمور»: 1964ـ 1966 تتناول حياة الرفاه في دمشق، والحياة السياسية.
ـ «حول الشعر الجديد»: كتب بلغة نثرية.
ـ «خيال الماضي»: 1921 «بيتان تحت عنوان الجمال»، و1955 «رثاء الشهيد عدنان المالكي».
   

العدد 1135 –  7-3-2023

آخر الأخبار
المركزي يصدر دليل القوانين والأنظمة النافذة للربع الثالث 2024 تحديد مواعيد تسجيل المستجدين في التعليم المفتوح على طاولة مجلس "ريف دمشق".. إعفاء أصحاب المهن الفكرية من الرسوم والضرائب "التسليف الشعبي" لمتعامليه: فعّلنا خدمة تسديد الفواتير والرسوم قواتنا المسلحة تواصل تصديها لهجوم إرهابي في ريفي حلب وإدلب وتكبد الإرهابيين خسائر فادحة بالعتاد والأ... تأهيل خمسة آبار في درعا بمشروع الحزام الأخضر "المركزي": تكاليف الاستيراد أبرز مسببات ارتفاع التضخم "أكساد" تناقش سبل التعاون مع تونس 10 مليارات ليرة مبيعات منشأة دواجن القنيطرة خلال 9 أشهر دورة لكوادر المجالس المحلية بطرطوس للارتقاء بعملها تركيب عبارات على الطرق المتقاطعة مع مصارف الري بطرطوس "ميدل ايست منتيور": سياسات واشنطن المتهورة نشرت الدمار في العالم انهيار الخلايا الكهربائية المغذية لبلدات أم المياذن ونصيب والنعيمة بدرعا الوزير قطان: تعاون وتبادل الخبرات مع وزراء المياه إشكاليات وعقد القانون تعيق عمل الشركات.. في حوار التجارة الداخلية بدمشق بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة