وصلوا ليلهم بنهارهم، إنهم السوريون على امتداد خارطتهم الجغرافية، كي يمدوا يد العون إلى المتضررين من كارثة الزلزال، واستمروا حتى ما بعد الزلزال بأسابيع، دون أن يكلوا أو يملوا، وهدفهم بلسمة جراح مصاب، أو إطعام منكوب انهار بيته، أو توزيع الاحتياجات الأساسية للعائلات المتضررة المقيمة في مراكز الإيواء، فقدموا حليب الأطفال وأغطية النوم والألبسة وعبوات مياه الشرب وبقية مواد المساعدات الغذائية.
دروس وعبر المأساة التي ألمت بسورية كانت عديدة، أولها أن السوريين كانوا قمة بالعطاء والتفاني، وكانوا قمة بالتعاضد والتكافل الاجتماعي، وكانوا قمة في مواقفهم الإنسانية تجاه بعضهم البعض، فلم تبق قرية نائية وبعيدة إلا واستنفرت وقدمت لمنكوبي الزلزال ما تستطيع تقديمه.
والجميع آلمهم وأحزنهم هذا المصاب الجلل وجعل فيهم الحليم حيراناً، وصار يلملم الجراح ويؤوي من لا مأوى له وقدم استطاعته سخاء ما بعده سخاء وعطاء كعطاء حاتم في إغاثة الملهوف، وهذا هو الأمر الطبيعي بل وواجب الإنسان تجاه أخيه الإنسان، وهذه طبيعة السوريين الذين كانوا يداً واحدة في كل الملمات.
كانوا متكاتفين متعاونين متماسكين وشعاراتهم “لننهض معاً.. لنبني ما تهدم معاً.. لنعيد الأمور إلى مكانها” وهنا يحضرني أهم شيء لابد من تحقيقه وهو تحفيز أبنائنا بأن يتعلموا بأن الإيثار هو السمة والصفة التي يجب أن تسود بين الناس كما هي عند أهلهم المجبولين بخصال الشهامة والكرم والعطاء.
وعلينا أن نعلم الأجيال بأن يساعدوا الآخرين، ولنكن القدوة لهم، ولنغرس في نفوسهم قيم البذل والعطاء ليكونوا ركيزة أساسية لمستقبل واعد عنوانه التعاون والمساندة لكل محتاج عند حصول ملمة أو نائبة، حيث يكون الناس كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، هذا هو الدرس والعبرة المتوخاة من أية كارثة تقع كالزلزال الذي ضرب مدننا، والحياة في كل يوم تعطينا دروساً علينا أن نستفيد منها ونعلم الجيل معانيها ليتعظوا منها، وأولها أن الكرام هم من يضعوا الوطن في مآقي عيونهم وسويداء قلوبهم.
جمال شيخ بكري