أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة السفير بسام صباغ أن الدول الغربية تواصل قلب الحقائق وتضليل الرأي العام، للتنصل من تورطها بسفك دماء السوريين وتسببها بمعاناتهم، جراء دعمها الإرهاب وفرضها الحصار والإجراءات القسرية، مشيراً إلى أن هذه الدول تدعي الحرص على سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها لكنها لم تتحرك يوما لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على أراضيها، أو لرفع إجراءاتها غير الشرعية لمساعدة سورية في التعامل مع تداعيات الزلزال.
وأوضح صباغ في بيان اليوم خلال جلسة لمجلس الأمن حول الشأنين السياسي والإنساني في سورية، أنه خلال السنوات الـ 12 الماضية وجهت سورية مئات الرسائل إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، وأحاطت المجلس بما تتعرض له من عدوان على سيادتها وانتهاكات لوحدة وسلامة أراضيها وتدخل سافر في شؤونها الداخلية، إلا أنه لم يتم التعامل مع ذلك بالجدية والمسؤولية المطلوبتين، جراء السياسات الهدامة التي تتبعها الدول الغربية الثلاث “الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا” دائمة العضوية في المجلس.
وقال صباغ: من المستهجن أن تخرج علينا الدول الثلاث ومعها ألمانيا ببيان مشترك في الـ 16 من الشهر الجاري يقلب الحقائق، ويتلاعب بالأحداث، ويتناغم مع حملات تضليل الرأي العام التي دأبت هذ الدول على شنها ضد سورية منذ عام 2011، مبيناً أن تلك الدول هدفت من بيانها إلى التنصل من تورطها بسفك دماء السوريين سواء من خلال العدوان المباشر، أو من خلال أدواتها من التنظيمات الإرهابية المختلفة، وحاولت تبرئة نفسها من المعاناة الإنسانية الشديدة التي أوصلت الشعب السوري إليها، جراء سياسات العقاب الجماعي التي مارستها عبر الحصار والإجراءات الأحادية، ناهيك عن إصرارها على تجاهل حرمانها للسوريين من ثرواتهم ومقدراتهم الوطنية.
وأشار مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة إلى أن سياسة المعايير المزدوجة التي تحكم العقلية الغربية جعلتها تشوه الحقائق في مجلس الأمن، إذ إنها تدعي الحرص على سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها، لكنها لم تتحرك يوما لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والممنهجة على الأراضي السورية، والتي كان أحدثها العدوان الذي استهدف مطار حلب الدولي فجر أمس، وتسبب بخروجه عن الخدمة للمرة الثانية خلال هذا الشهر في جريمة مزدوجة على مرفق مدني يستخدم لدعم عمليات إيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الزلزال.
وبين صباغ أن هذه الدول تتباكى على وضع اللاجئين والنازحين السوريين، لكنها تتناسى أنها عملت بشكل مباشر على تقويض حالة الأمن والاستقرار التي كان يعيشها الشعب السوري، ما تسبب بدفع الكثيرين إلى الخروج من مناطقهم، لافتاً إلى أن هذه الدول تعرب أمام مجلس الأمن عن القلق من الاتجار غير المشروع بالمخدرات، وهي التي خلقت مناخاً مناسباً للتنظيمات الإرهابية والإجرامية لممارسة أعمالها العابرة للحدود التي حققت لها عوائد مالية كبيرة ساهمت في تمويل عملياتها الإجرامية.
وتساءل صباغ: كيف يمكن القبول بقيام البعض في هذا المجلس بتوفير الحماية لـ (إسرائيل) ومساعدتها على الإفلات من العقاب على جرائمها الإرهابية، والإصرار على منع المجلس من الاضطلاع بمسؤولياته لوقف هذه الجرائم وضمان المساءلة عنها.. وكيف يمكن تبرير زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية في الرابع من آذار الجاري إلى قاعدة عسكرية لقوات الاحتلال الأمريكي في شمال شرق سورية وألا تتم إدانتها باعتبارها تمثل انتهاكاً لسيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها.
وأضاف صباغ: كيف يمكن أن نصدق ادعاءات الولايات المتحدة وحلفائها بالمساهمة الحقيقية في جهود مكافحة الإرهاب وبتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب لإنقاذ العالم من ويلاته، وهي التي تدعم قاعدة للإرهابيين في التنف، وتسوق مع حلفائها لجماعة إرهابية مثل (الخوذ البيضاء “ذراع” هيئة تحرير الشام الإرهابية جبهة النصرة سابقاً) على أنها منظمة إنسانية، وكيف يمكن تفسير رفضهم استعادة الإرهابيين من حملة جنسياتهم وعائلاتهم، والتنصل من تحمل مسؤوليتهم في محاكمتهم ومحاسبتهم، وإعادة تأهيل وإدماج عائلاتهم في مجتمعاتهم.
ولفت صباغ إلى أن سورية تدعو على الدوام إلى النأي بقضايا تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها عن أي اعتبارات سياسية، إلا أن البعض ما يزال يصر على تسييسها، مشيراً في هذا المجال إلى حملة منظمة داخل الأمم المتحدة تقودها الدول الغربية التي تتبع نهجاً عدائياً لإثارة موضوع المفقودين في سورية، سعياً منها لإطلاق آلية دولية مسيسة أخرى، هدفها الوحيد تشويه الحقائق وزيادة الضغوط على بلد حارب الإرهاب باسم كل شعوب العالم.
وأكد صباغ أن أي عملية ذات مصداقية للكشف عن مصير المفقودين في سورية تستدعي معرفة مصير آلاف الذين فقدوا جراء الهجمات الجوية التي نفذها ما يسمى “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن خلال عدوانه على مدن وبلدات سورية، وتستدعي أيضاً معرفة مصير أولئك الذين فقدوا على أيدي التنظيمات المصنفة إرهابية على قوائم مجلس الأمن مثل “داعش” و”جبهة النصرة” وغيرهما من تنظيمات إرهابية على مدى أكثر من عشر سنوات.
وأوضح صباغ أن سورية ملتزمة وفقاً لدستورها وقوانينها الناظمة بتطبيق إجراءات البحث عن المفقودين، سواء على يد التنظيمات الإرهابية أو قوات الاحتلال الأجنبية، وتسعى جاهدة لتحديد أماكنهم بما في ذلك من خلال التعاون في إطار صيغة أستانا لكشف مصير المفقودين الذين تحتجزهم المجموعات الإرهابية، كما تتولى مؤسسات إنفاذ القانون في سورية إجراء تحقيقات مستقلة لكل واقعة من وقائع فقدان الأشخاص ممن تم تسجيل شكوى أو إخبار رسمي عن فقدانهم وخاصة في شمال شرق سورية الذي تحتله الولايات المتحدة وحلفاؤها من الإرهابيين والانفصاليين.
وبين صباغ أن بعض الدول واصلت تسييس القضايا الإنسانية خلال التعامل مع تداعيات الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا في السادس من شباط الماضي، إذ تم مؤخراً التحضير “لمؤتمر بروكسل للمانحين لدعم متضرري الزلزال في سورية وتركيا” دون التنسيق مع الحكومة السورية الممثلة للبلد الذي حلت به هذه الكارثة أو دعوتها للمشاركة في أعماله، لا بل إن القائمين على المؤتمر استبعدوا أيضاً مشاركة أبرز الفاعلين الإنسانيين الوطنيين من المنظمات غير الحكومية السورية.
وأشار صباغ إلى أن نهج تسييس العمل الإنساني والتنموي في سورية تجلى أيضاً في إصرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على مواصلة فرض إجراءاتهم القسرية غير الشرعية على الشعب السوري، الأمر الذي حال دون توفير مستلزمات البحث عن ضحايا الزلزال وإنقاذهم وتأمين الدعم للمتضررين منه، أما ترويجهم لوجود استثناءات لأغراض إنسانية فتدحضه الوقائع التي تثبت أنها إجراءات شكلية غير فعالة وذات طابع دعائي فقط.
وشدد صباغ على أن سورية ملتزمة بتقديم التسهيلات للأمم المتحدة والمنظمات الدولية، بهدف إيصال الدعم والمساعدات الإغاثية إلى جميع المناطق المنكوبة بمختلف الوسائل، بما في ذلك من خلال المعبرين الحدوديين الإضافيين اللذين قررت فتحهما بقرار سيادي لتسهيل الاستجابة الإنسانية في المناطق المتضررة الواقعة تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية، وهو الأمر الذي يستحق الاحترام والدعم، فعبور نحو 1000 شاحنة حتى الآن تحمل مساعدات من الأمم المتحدة إلى شمال غرب سورية خير دليل على ذلك، أما التشكيك بهذا القرار وإطلاق ادعاءات حول حرف المساعدات الإنسانية عن هدفها فإنما يمثل سلوكاً بائساً للنيل من جهود سورية.
وجدد صباغ مطالبة سورية لبعض الدول بالتخلي عن سياساتها العدائية، والتوقف عن نهج تشويه صورة الدولة السورية وتلفيق اتهامات، وضرورة تضامن المانحين مع الشعب السوري في هذه الظروف الصعبة وعدم جعل معاناته أطول، وذلك من خلال حشد التعهدات المالية بما يتماشى مع حجم وفداحة الأضرار، مشيراً إلى أن تجاوز تداعيات الأزمة يحتاج إلى توفر إرادة سياسية صادقة لدى الدول الأعضاء، لمساعدة سورية ودعم جهودها ومؤسساتها الوطنية لتحقيق التعافي المبكر والانتعاش الاقتصادي، والسماح للسوريين ببناء مستقبل أفضل لوطنهم.