نقش سوري.. فارس الخوري

الملحق الثقافي:          

فارس الخوري رجل دولة سوري ووزير ورئيس وزراء ورئيس برلمان والأب الروحي للسياسة السورية المعاصرة، ولد في قرية الكفير التابعة حالياً لقضاء حاصبياً (حالياً بلبنان، التي كانت آنذاك جزءاً من سوريا)، وفي عام 1914، انتخب نائباً عن دمشق في مجلس (مبعوثان) العثماني، بعد تاريخ من النضال ضد العثمانيين ثم ضد الفرنسيين أصبح فارس الخوري رئيساً لوزراء سوريا من 14 تشرين الأول 1944 إلى 1 تشرين الأول 1945 ومن 1954 إلى 13 شباط 1955،
دخل فارس الكلية الإنجيلية السورية، والتي سميت بعد ذلك الجامعة الأميركية في بيروت، ولكن المرسلين الأميركيين لم يمكنوه من الاستمرار، فقد عينوه من جديد في مدرستهم بقرية مجدل شمس عام 1892، ثم نقلوه إلى صيدا، وفي عام 1894 عاد للدراسة في الجامعة الأميركية وحصل على شهادة بكالوريوس في العلوم عام 1897، وكانت هذه الشهادة في ذلك الحين شهادة ثقافية عامة ليس فيها اختصاص في أحد فروع العلوم والآداب، دعاه رئيس الجامعة للتدريس في القسم الاستعدادي كمعلم للرياضيات واللغة العربية.
دُعي فارس الخوري لإدارة المدارس الأرثوذكسية في دمشق، ولإعطاء بعض الدروس في مدرسة تجهيز عنبر (مكتب عنبر)،
ثم عُين ترجماناً للقنصلية البريطانية (1902ـ 1908) حيث أكسبته وظيفته الجديدة نوعاً من الحماية ضد استبداد الحكم العثماني.
لم يترك فارس الخوري الدرس والتحصيل، بل ظل منكباً على الدراسة والمطالعة فدرس اللغتين الفرنسية والتركية لوحده من دون معلم وبرع فيهما، كما أنه أخذ يطالع الحقوق لنفسه، وامتهن المحاماة بدمشق، وتقدم بفحص معادلة الليسانس بالحقوق فنالها. في عام 1908م انتسب لجمعية الاتحاد والترقي فكان هذا أول عهده بالسياسة.
انتخب فارس الخوري سنة 1914 نائباً عن دمشق في مجلس (المبعوثان) العثماني، وفي سنة 1916 سجنه جمال باشا بتهمة التآمر على الدولة العثمانية، لكنه بُرئ ونفي إلى إستانبول، حيث مارس التجارة هناك.
في أول حكومة عربية وفي مجلس الشورى في 27 أيلول 1918 اجتمع فارس وفريق من الوجهاء والمفكرين في بهو المجلس البلدي في ساحة المرجة في دمشق وقرروا إقامة حكومة مؤقتة تحول دون الفوضى ريثما يصل الأمير فيصل وكتائب الثورة العربية المنتصرة.
وكان فارس عضواً في هذه الحكومة التي جعلوا من سعيد الجزائري رئيساً لها والتي كان من أعضائها شكري الأيوبي وشاكر الحنبلي، ومع أن هذه الحكومة لم يُكتَب لها الاستمرار إلا أنها تبقى منذ عهد الأمويين وبعد جلاء العثمانيين أول حكومة عربية تعلَن في دمشق، في الأول من تشرين الأول سنة 1918 وصلت القوات العربية وجيوش الحلفاء إلى دمشق بقيادة الأمير فيصل الذي وصل في الثالث من تشرين الأول على رأس الجيش العربي، وتشكلت حكومة عسكرية برئاسة الفريق رضا باشا الركابي، وكان أعضاؤها كلاً من عادل أرسلان وبديع المؤيد وعطا الأيوبي وياسين الهاشمي وفارس الخوري، وكانت هذه الحكومة تعمل تحت إشراف الأمير فيصل قائد الجيوش الشمالية وممثل والده الملك حسين وتحت قيادة الجنرال اللنبي القائد العام لقوات الحلفاء،
وخلال عهد هذه الحكومة انعقد المؤتمر السوري، وجرت التشكيلات والتغييرات الإدارية والتعيينات وتم وضع قانون أساسي للبلاد.
ولكن جيوش فرنسا بدأت في الثامن من تشرين الأول 1918 احتلال الساحل تنفيذاً لخطة دُبِّرَت سلفاً، فالقيادة العليا البريطانية كانت قد قسمت سورية الطبيعية التي اعتبروها «بلاد العدو المحتلة» إلى مناطق عسكرية ثلاث هي: المنطقة الجنوبية (أي فلسطين) بقيادة إنكليزية، المنطقة الغربية (أي الساحل الممتد من جبل عامر إلى ما وراء خليج إسكندرونة وتشمل جبل لبنان وبيروت واللاذقية بقيادة فرنسية، والمنطقة الشرقية (أي سورية الداخلية) وتضم الجمهورية السورية ومملكة الأردن بقيادة عربية، وعُهِدَ بالحكم فيها إلى الأمير فيصل، ورغم أن هذه المنطقة الشرقية لم يكن لها ساحل ولا مرفأ ولا عائدات جمركية مستقلة، وعلى الرغم من كل الصعوبات التي خلقها الفرنسيون كي لا تتمتع هذه المنطقة باستقلالها فقد أُنشِئَت فيها قواعد دولة عربية مستقلة، عاصمتها دمشق فأصبحت قبلة المتطلعين إلى الاستقلال والحرية وصار يؤمها رجالات العرب من كل صوب.
فاجعة ميسلون
في تلك الفترة كان الجنرال گورو الذي عينته فرنسا في تشرين الثاني 1919 قائداً أعلى (ثم سُمّيَ فيما بعد مفوضاً سامياً في البلاد الواقعة تحت الانتداب الفرنسي) يعزز جيشه في الساحل ويستعد لاحتلال ما بقي من سورية خلال الأشهر التي انقضت بعد مؤتمر سان ريمو للحلفاء في إيطاليا الذي كان قد وزع الانتدابات على البلاد العربية بين الدول الطامعة بالحكم بحيث تصبح فلسطين والعراق تحت انتداب إنكلترا وسورية تحت انتداب فرنسا، وبالفعل زحف غورو إلى دمشق، وكانت معركة ميسلون التي اُستُشهِدَ فيها يوسف العظمة في 24 تموز 1920.
الغزو الفرنسي (1920 – 1923)
وعلى إثر احتلال الفرنسيين لسورية عام 1920 انصرف الخوري إلى العمل الحر كمحامٍ، ثم انتخب نقيباً للمحامين واستمر خمس سنوات متتاليات، وعضواً مؤسساً في المجمع العلمي (الذي هو اليوم المجمع اللغوي بدمشق)، ومشاوراً قانونياً في بلدية دمشق (وهي اليوم المحافظة)، وعين أستاذاً في معهد الحقوق العربي لتدريس مادتي أصول المالية وأصول المحاكمات الحقوقية، لفارس الخوري ثلاث مؤلفات في القانون هي: (أصول المحاكمات الحقوقية) و(موجز في علم المالية) و(صك الجزاء).
مشروع الفيجة
في سنة 1921 فكر الفرنسيون في مشروع جر مياه الفيجة إلى منازل دمشق وفي إعطاء امتياز المشروع إلى شركة فرنسية، وعندما طلب رئيس البلدية من فارس الخوري المشاور الحقوقي للبلدية دراسة المشروع تبين لفارس أن شروط الامتياز تضر بمصلحة السكان، فسجل اعتراضاته، واقترح تأسيس مشروع وطني تكون فيه المياه ملكاً للأمة وأنهى دراسته بوجوب رد المشروع، وعلى هذا النحو، وبعد هذه الحادثة بحوالي السنة اجتمعت لجنة من تجار دمشق وأغنيائها وبحثت موضوع تأسيس شركة تجارية لتوزيع المياه، لكن معارضة فارس الخوري كانت شديدة لأنه لم يشأ أن تكون استثمارية بل عمومية ولذلك أسرع وقدم في اليوم التالي مشروعاً وطنياً مفصلاً هو الذي اُعتُمِدَ ونُفِّذَ ومازال قائماً حتى يومنا هذا.
في عام 1926 نفي الفرنسيون فارس الخوري إلى خارج سورية بسبب استقالته من منصب وزير المعارف في حكومة الداماد أحمد نامي بك احتجاجاً على سوء نوايا الفرنسيين.
شارك فارس الخوري وعدد من الوطنيين في تأسيس الكتلة الوطنية، وكان نائباً لرئيسها يضع القرارات ويكتب منشوراتها، وهذه الكتلة قادت حركة المعارضة والمقاومة ضد الفرنسيين، وكانت من أكثر الهيئات السياسة توفيقاً وفوزاً مدة تقارب العشرين عاماً.
على أثر الإضراب الستيني الذي عم سوريا عام 1936 للمطالبة بإلغاء الانتداب الفرنسي تم الاتفاق على عقد معاهدة بين سوريا وفرنسا، ويقوم وفد بالمفاوضة لأجلها في باريس، فكان فارس الخوري أحد أعضاء هذا الوفد ونائباً لرئيسه.
انتخب فارس الخوري رئيساً للمجلس النيابي السوري عام 1936 ومرة أخرى عام 1943، كما تولى رئاسة مجلس الوزراء السوري ووزيراً للمعارف والداخلية في تشرين أول عام 1944، وكان لتولي فارس الخوري رئاسة السلطة التنفيذية في البلد السوري المسلم وهو رجل مسيحي صدى عظيم فقد جاء في الصحف: (… وأن مجيئه إلى رئاسة الوزراء وهو مسيحي بروتستانتي يشكل سابقة في تاريخ سورية الحديث بإسناد السلطة التنفيذية إلى رجل غير مسلم، مما يدل على ما بلغته سورية من النضوج القومي، كما أنه يدل على ما اتصف به رئيس الدولة من حكمة وجدارة)، وقد أعاد تشكيل وزارته ثلاث مرات في ظل تولي شكري القوتلي رئاسة الجمهورية السورية.
رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي (يمين) مع نظيره السوري فارس الخوري عام 1944.
في عام 1945 ترأس فارس الخوري الوفد السوري الذي كُلّف ببحث قضية جلاء الفرنسيين عن سوريا أمام منظمة الأمم المتحدة، التي تم تأسيسها في نفس العام، حيث اشترك الخوري بتوقيع ميثاق الأمم المتحدة نيابة عن سورية كعضو مؤسس.
كما ألقى الخوري خطبة في المؤتمر المنعقد في دورته الأولى نالت تقدير العالم وإعجابه، حيث أبدى فيها استعداد بلده سورية وشقيقاتها العربيات لتلبية نداء البشرية من أجل تفاهم متبادل أتم، وتعاون أوثق، كما تحدث فيها عن خطورة المهمة الملقاة على عاتق المؤتمر، وأظهر تفاؤله في إمكانية تحقيق الفكرة السامية التي تهدف إليها المنظمة العالمية، وبناء على جهوده فقد منحته جامعة كاليفورنيا (الدكتوراه الفخرية) في الخدمة الخارجية اعترافاً بمآثره العظيمة في حقل العلاقات الدولية.
انتخب فارس الخوري عضواً في مجلس الأمن الدولي (1947-1948)، كما أصبح رئيساً له في آب 1947، إضافة لاهتمامه بوطنه سوريا اهتم بالقضية الفلسطينية اهتماماً خاصاً، وأكد رفض الدول العربية إقامة دولة لليهود فيها، كما شرح القضية المصرية وطالب بجلاء الإنجليز عن أراضيها، وأكد على السلام العالمي وطالب بإنهاء تنافس الدول الكبرى، وحذر من وقوع حرب ذرية مدمرة، ولطالما ضجت هيئة الأمم بخطبه ومناقشاته باللغة الإنجليزية من أجل نصرة الحق في القضية العربية.
وفي ٢٩ تشرين الأول ١٩٥٤: تشكيل حكومة جديدة برئاسة فارس الخوري، هي الأولى بعد الانتخابات التشريعية التي أعقبت سقوط حكم أديب الشيشكلي، ضمت الحكومة في عضويتها: فيضي الأتاسي وزيراً للخارجية، رشاد جبري للدفاع الوطني، أحمد قنبر للداخلية، فاخر الكيالي للاقتصاد الوطني، رزق الله أنطاكي للمالية، عبد الصمد الفتح للزراعة، مجد الدين الجابري للأشغال العامة والمواصلات، منير العجلاني للمعارف، علي بوظو للعدل، محمد سليمان الأحمد (بدوي الجبل) للصحة والإسعاف العام، لكنها لم تستمر سوى أشهر معدودة، فيها.
مرضه ووفاته
شكري القوتلي يزور فارس الخوري في مستشفى السادات بدمشق، وفي الوسط كوليت خوري.
في 22 شباط 1960، أصيب فارس الخوري بكسر في عنق فخذه الأيسر بغرفة نومه، وكان يعاني من آلام المرض الشديد في مستشفى السادات بدمشق، حينما منح جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من قبل الرئيس جمال عبد الناصر بناء على توصية المجلس الأعلى للعلوم والفنون.
كانت وفاة فارس الخوري مساء الثلاثاء 2 كانون الثاني 1962، في مستشفى السادات بدمشق.
     

العدد 1141 –  18-4-2023  

آخر الأخبار
وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص