في إطار تبادل المنفعة بين البائع الذي يطمح للحصول على أعلى مستوى من الربح، والمشتري الذي يأمل بالحصول على سلعة تناسبه وبأقل الأسعار، تشكل المفاصلة لأسعار السلع عادة اجتماعية منتشرة في بلادنا، ومتعارف عليها في معظم الحالات، وتعتبر ثقافة قائمة على ثقة غير متوازنة بين البائع والزبون.
نضطر إلى استخدام ثقافة المفاصلة أو المساومة حين نستشري ونبيع، وتصبح علاقة البيع والشراء علاقة صراع، مع أنها في حقيقتها علاقة تبادل، من خلال ما نستعمله من عبارات كتعبير غالب ومغلوب في السعر، وليس أمام علاقة يكون فيها الطرفان مستفيدين.
يعمل بعض التجار على تحقيق أرباح كبيرة من خلال وضع هامش ربح مرتفع للسلع التي يعرضونها للبيع، ويلجأ الزبائن من خلال التفاوض معهم في محاولة للحصول على أقل سعر ممكن، وفي جميع الأحوال يجني البائع أرباحاً لا بأس بها، حتى لو حصل الزبون على السلعة بالسعر الذي يرغب به، ومن هنا لا بد من التفاوض على السعر ومن الخطأ اعتباره عيباً.. وبالمقابل من الممكن أن تنعكس ثقافة المفاصلة سلباً على التجار الصادقين، ممن يعرضون سلعهم بثمن مناسب وبربح معقول.
حين يعرض التاجر سلعته بثمن مرتفع ثم يتراجع عنه، فذلك يعني أنه كان مستعداً لخفض السعر الذي أعلنه، ما يدل أن السعر لم يكن يمثل السعر الحقيقي والمنطقي الذي تباع السلعة على أساسه، وبالتالي درجة عالية من غياب الصدق في التعامل بالأسواق، ويؤثر ذلك سلباً في سرعة التعامل وسهولته وانسيابه، ولاسيما إذا رافقها الإلحاح الممل من قبل الطرفين، سببه غياب الثقة بين البائع والمشتري.
المفاصلة في البيع والشراء سببه عدم ثبات الأسعار، والشعور بدخول الأسواق بالاستغفال وضياع الوقت، لمحاولات تجنب الغبن والمفاوضات العسيرة مع البائعين.. ما يعكس الإجراءات والقوانين القاصرة على الحد من الغش في البيع والشراء، ويجبر المشتري إلى ثقافة المفاصلة والمساومة التي تنجح في بعض الأحيان، لكنها تفشل في مواقف كثيرة، وهي ثقافة مسيطرة على الأسواق.