الثورة – ترجمة ختام أحمد:
بعد غياب دام 12 عاماً، استعادت سورية مقعدها كعضو في جامعة الدول العربية التي اجتمعت في جدة السعودية بتاريخ 19 أيار الجاري.
سورية دخلت في خضم مسار سياسي جديد بقيادة عربية لإعادة العلاقات في المنطقة، وتبوأت المملكة العربية السعودية القوة الإقليمية، ورؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مركز الصدارة في القرارات الدبلوماسية للأزمات المستمرة.
صوّت وزراء خارجية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية في القاهرة يوم الأحد الذي سبق القمة على إعادة سورية إلى عضوية “الرابطة الدبلوماسية العربية”، فقد كانت دمشق مؤخراً مسرحاً لجهود إعادة العلاقات الأخوية، كما طرح الأردن مبادرة للتوصل إلى تسوية سياسية سلمية للصراع في سورية.
إن الصراعات المدعومة من الغرب عمّت الشرق الأوسط ومازالت مستمرة، فقد قامت كل من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بهجوم على سورية ودول عربية أخرى لتغيير الأنظمة فيها، لكن الخطة باءت بالفشل في سورية، فالصراع المسلح الذي خطط له ونفذه الرئيس أوباما ونائب الرئيس بايدن قتل الآلاف وشرد الملايين، لكن رياح التغيير تهب على رمال الصحراء والفاعلين الإقليميين يرفضون الوضع الراهن .
في أعقاب زلزال 6 شباط في سورية وتركيا بدأت استعادة العلاقات مع دمشق باستجابة إنسانية عربية ضخمة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية اللتان أقامتا جسراً جوياً لمساعدة ضحايا الزلزال في أمس الحاجة إليها.
كما أن إعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران التي توسطت فيها الصين بمثابة زلزال سياسي في المنطقة، وأعطى إشارة إلى أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كان يتطلع إلى إحلال السلام والازدهار في المنطقة وكان يبتعد عن التدخل الغربي الذي كان مصدر الاضطرابات.
زار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود دمشق في 18 نيسان للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، كما أعاد البلدان السفارات والرحلات الجوية بينهما، كما زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد المملكة قبل أيام قليلة من زيارة الأمير فيصل لدمشق، في أول زيارة من نوعها منذ عام 2011.
يوجد في دمشق 44 سفارة، بالإضافة إلى 51 قنصلية، أغلقت العديد من الدول أبواب سفاراتها أثناء الحرب حيث تحالفت الدول الغربية وحلفاؤها ضد سورية في جهودهم الفاشلة لإزالة الحكومة العلمانية، بالمقابل لم تغلق بعض الدول الأوروبية أبواب سفاراتها في دمشق مثل النمسا وجمهورية التشيك واليونان والكرسي الرسولي ورومانيا وصربيا والسويد، والعديد من السفارات العربية مفتوحة أيضا في دمشق، مثل الإمارات والبحرين والسودان واليمن وسلطنة عمان.
قالت السعودية وتونس إنهما ستفتتحان سفارتيهما قريباً في دمشق، ويتوقع الخبراء إعادة فتح المزيد من السفارات مع عودة دمشق إلى الحياة بعد أكثر من عقد من العزلة.
سورية والسعودية تدعمان القضية الفلسطينية
لطالما كانت استعادة الحقوق والأرض للشعب الفلسطيني ركيزة من ركائز الموقف السوري، كما شددت المملكة العربية السعودية على حقوق الفلسطينيين، وزار الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 18 نيسان السعودية والتقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمناقشة التطورات الأخيرة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ونددت المملكة العربية السعودية بالاقتحام الإسرائيلي للمسجد الأقصى في 5 نيسان، ورفضت الإجراءات “التي تقوض جهود السلام وتتعارض مع المبادئ الدولية فيما يتعلق بالمقدسات الدينية”.
العلاقات السعودية الصينية
وافق الملك سلمان بن عبد العزيز على مذكرة تفاهم منحت المملكة العربية السعودية مكانة شريك الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) في 28 آذار، “منظمة شنغهاي للتعاون منظمة سياسية واقتصادية وأمنية ودفاعية أوروآسيوية”، ومن بين الأعضاء الهند وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان وباكستان وأوزبكستان، ومن المقرر أن تنضم إيران قريبًا.
اعتمدت المملكة العربية السعودية فقط على الولايات المتحدة لعقود من الزمن، لكنها الآن تفتح أفقها أمام شركاء آخرين بينما تسير المملكة نحو تحقيق رؤية 2030.
كما أعلنت المملكة العربية السعودية ومنتجو نفط آخرون في أوبك + تخفيضات طوعية لإنتاجهم في 2 نيسان، وقالت الرياض إنها ستخفض الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميًا من أيار حتى نهاية 2023.
عندما زار الرئيس الأمريكي جو بايدن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، طلب منه زيادة إنتاج النفط، لخفض سعر البنزين للمستهلكين الأمريكيين، وبدلاً من ذلك تم اتخاذ القرار بالبقاء على المستوى الذي قررته منظمة أوبك سابقاً، وهذا القرار خيب آمال بايدن، وقد وجه بايدن اتهامات كاذبة ضد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
في الشهرين الماضيين، عقد ولي العهد السعودي وكبار الدبلوماسيين اجتماعات رفيعة المستوى مع مسؤولين من الولايات المتحدة وإيران وهولندا ومصر والصين، ساعدت هذه الاجتماعات في إبراز المكانة الدبلوماسية للمملكة في العالم العربي وتعزيز مكانة الرياض دولياً كقوة مركزية في الشرق الأوسط.
نتطلع إلى الأمام..
أدى هجوم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على سورية الذي بدأ في آذار 2011 بغية تغيير “الحكومة” إلى إنشاء ما سمي “الائتلاف الوطني السوري” الذي استضافته تركيا وقطر على مر السنين بتوجيه من الولايات المتحدة بشكل غير شرعي، وتم منح ما سمي “المجلس الوطني السوري” الاعتراف السياسي في اجتماع 2012 في المغرب.
كان للمجلس الوطني السوري جناح مسلح أنشأته أيضاً الولايات المتحدة من خلال برنامج وكالة المخابرات المركزية، Timber Sycamore ، الذي درب ومول وسلح رجالاً يتبعون أيديولوجية الإخوان المسلمين، لإنشاء دولة إسلامية في دمشق، على غرار المشروع الأمريكي في مصر، ونجح في تنصيب محمد مرسي قبل أن يرفضه الشعب المصري.
في عام 2012 ، كتب دانييل واجنر من واشنطن على HuffPost عن الجانب المظلم والشرير لـ “الجيش السوري الحر” المدعوم من الولايات المتحدة. وأوضح كيف أن وسائل الإعلام الأمريكية والغربية تمجد الجيش السوري الحر باعتباره “مقاتلين من أجل الحرية” بينما تغض الطرف عن جرائم الحرب والفظائع التي ارتكبها ولعبت وسائل الإعلام الغربية السائدة دوراً كبيراً في غسيل أدمغة الجمهور الأمريكي والأوروبي.
على مر السنين، انقرض الجيش السوري الحر وتحول مع شريكه تنظيم القاعدة إلى”داعش” التنظيم الإرهابي الذي أنشأهُ ودعمه مالياً ولوجستياً كل من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وهم عبارة عن مجموعة من المجرمين الإرهابيين الخارجين عن القانون من معظم دول العالم.
ومازالت أمريكا تتبع سياسة العداء تجاه سورية حيث أدانت تصويت جامعة الدول العربية على إعادتها وقالت إنها مازالت تعارض إعادة بناء المنازل في سورية وتعارض عودة السوريين في الخارج إلى ديارهم.
المصدر – استراتيجك كالتشر