ناصر حماد – صحفي وكاتب فلسطيني
يمكن القول إننا نعيش في مرحلة ما يطلق عليها البعد الثالث حيث الزمن يحكمه المكان، ومع ذلك لا يرتبط الحدث بمرحلة أو بالمكان وبجغرافيا محددة، فالجغرافيا ذات الصلة بالأحداث معرضة للانقلاب السياسي بالمفهوم المكثف وفي نظم العلاقات الدولية.
وقد وضعت الحرب في أوكرانيا العالم على مفترق طرق وأصبح العالم على شفا حرب عالمية ثالثة وفق آليات جديدة وقراءات خاصة وفق كل طرف لمصالحه وحضوره العالمي وهى حرب استنزاف عالمي على كافة المستويات والصعد.
الكيان الإسرائيلي وبدعم أمريكي وبريطاني مباشر يلعب دوراً وظيفياً في منطقة “الشرق الأوسط” وقد فتحت الولايات المتحدة لها أبواب العلاقات مع بعض الدول العربية (التطبيع) ولكن فتح العلاقات السعودية الإيرانية وحضور سورية في القمة العربية بمدينة جدة السعودية ستجعل هذا المسار يأخذ بعداً آخر سيكبح جماح التطبيع وسيفرض على الكيان ضرورة تطبيق القرارات الدولية والاعتراف بالحقوق الفلسطينية والسورية فيما يتعلق بالانسحاب من الجولان المحتل.
ويمر الوضع الاقتصادي الأمريكي في أزمة كبيرة نتيجة سياسات أميركا العامة وتحتاج الأخيرة إلى تعويض خسائرها السياسية والاقتصادية العالمية عبر فتح جبهات وحروب جديدة في العالم ولكن الحرب بأوكرانيا هي استنزاف سياسي واقتصادي وعسكري بشكل مستمر لأوروبا أكثر منه للولايات المتحدة.
ويرى الخبراء في ذلك انقلاباً دولياً على كافة الصعد وذلك نتيجة لغياب استراتيجية فائقة الدقة بالسياسة الدولية ومثال ذلك الصراع الصينى – الأمريكي حول تايوان بجذوره التاريخية وهى معضلة شديدة التعقيد من حيث بعدها الجيو سياسي.
ومهما كانت النتائج فإن المستفيد الأكبر هو الصين سواء على مستوى الصراع العالمي بينهما أو من حيث الصراع المباشر من أجل مصالحهما في منطقتنا والتي تشمل الإمداد بالنفط المنتظم ونظراً لأهمية مشروع بكين التاريخي “الحزام والطريق”.
وترى الصين تغلغلها المتزايد في هذا الجزء من العالم بمثابة مواجهة لتحول المحور الاستراتيجي الأمريكي إلى شرق آسيا وأما الصين فتعتبر المنطقة ساحتها الأمامية والخلفية لذلك تواصل تعزيز علاقتها مع إيران والسعودية وأطراف عربية أخرى وهو انفتاح على تعزيز موقعها الجيوسياسي بمنطقة “الشرق الأوسط”.
إن قوة الصين الاقتصادية بكافة المجالات يفرز تراجعا في الاقتصاد الأمريكي لصالح الصين كما وإن وجود تكتلات اقتصادية عالمية أدى إلى تراجع الولايات المتحدة والمتحالفين معها وتراجع التطبيع مع كيان الاحتلال وهذا يضيف مزيدا من الفشل لواشنطن.
لقد أدت التطورات السياسية في منطقة “الشرق الأوسط” إلى إنهاء دور الولايات المتحدة كشرطي في المنطقة والعالم، كما فرضت الحرب الأوكرانية نفسها على الأجندة الدولية لتغير من مكانة ودور أميركا، فضلاً عن وضع الكيان الإسرائيلي الحرج الذي يبحث عن ذرائع لخلق واقع جديد وشد الانتباه عبر حروب جديدة وفتح جبهات مختلفة بدعم أمريكي وغربي، وتأتي المناورات العسكرية الإسرائيلية في هذا السياق لتبعث بها رسائل متنوعة على مستوى المنطقة مفادها أن تلك المناورات ما هي إلا مقدمة لمعارك أكبر وقد تشمل عدة جبهات.
كل ما سبق يشي بتراجع قوة الردع الإسرائيلي أمام العرب وهذا يضع الكيان أمام معضلة سياسية وأمنية كبيرة ما يدفعه لليأس والهروب من الواقع الجديد في المنطقة والبحث عن الخلاص من خلال الحروب، ولاسيما مع اختلاف الزمن والمعطيات السياسية التي لم تعد لصالحه، فكل التطورات والسيناريوهات تكشف أن لا مستقبل لهذا الكيان المحتل في منطقة الشرق الأوسط.