الثورة -فؤاد الوادي:
أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي شنت غارات دموية استهدفت المدارس التي تحوّلت إلى ملاجئ تؤوي آلاف النازحين الفلسطينيين، معتبرةً أن هذه الضربات تُظهر انعدام الملاذات الآمنة في قطاع غزة، وتنتهك قوانين الحرب بشكل صارخ، وتستخدم في ذلك ذخائر أميركية.
وقالت المنظمة، في تقرير مطوّل صدر اليوم، “إن القوات الإسرائيلية نفّذت، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، مئات الضربات الجوية على أكثر من 500 مبنى مدرسي، كثير منها كان يستخدم كمأوى للمدنيين الفارين من القصف، وأسفرت عن مقتل مئات المدنيين، بينهم عدد كبير من الأطفال”.
ووصفت المنظمة الهجمات على المدارس بأنها “عشوائية بشكل غير قانوني”، مؤكدة أنها لم تجد أي دليل على وجود أهداف عسكرية في معظم المواقع المستهدفة، ومن بينها مدرستا “خديجة للبنات” في دير البلح، و”الزيتون ج” في مدينة غزة، اللتان قُتل فيهما ما لا يقل عن 49 مدنياً، بينهم أكثر من 25 طفلاً، خلال شهرين فقط.
وقال جيري سيمبسون، المدير المشارك لقسم الأزمات والنزاعات والأسلحة في هيومن رايتس ووتش: “الغارات الإسرائيلية على المدارس التي تؤوي عائلات نازحة هي عيّنة من سفك الدماء الذي ترتكبه القوات الإسرائيلية في غزة. على الحكومات الأخرى ألا تتسامح مع هذا القتل المروع بحق المدنيين الفلسطينيين الباحثين عن الأمان.”
وحمّلت المنظمة الدول الموردة للسلاح، خاصة الولايات المتحدة، مسؤولية أخلاقية وقانونية لمواصلة دعمها العسكري لإسرائيل، رغم استخدام هذه الأسلحة ـ مثل قنابل GBU-39 الأميركية الصنع ـ في هجمات موثقة على منشآت مدنية.
وبحسب تقييم مجموعة التعليم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن 97% من مدارس غزة تعرّضت لأضرار متفاوتة، و76% منها دُمّرت كلياً أو جزئياً. وقد أكدت “هيومن رايتس ووتش” أن هذه الأضرار ستؤدي إلى حرمان جيل كامل من التعليم، وستتطلب سنوات من إعادة الإعمار.
وأشارت المنظمة إلى أن استهداف المدارس كملاجئ لم يكن عرضياً، بل جاء ضمن استراتيجية عسكرية موسعة وصفها تقرير لموقع “سيحا ميكوميت” الإسرائيلي بأنها “منهجية لتحديد مدارس تُعرف بأنها تضم كثافة مدنية مرتفعة”، تحت مزاعم وجود نشاطات مسلحة.
ووثّقت هيومن رايتس ووتش غياب أي إنذار مسبق في الضربات الأولى على المدارس، وهو ما يُعد خرقاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني، الذي يوجب على الأطراف المتنازعة تقديم إنذارات فعالة لتقليل الإصابات بين المدنيين.
ودعت هيومن رايتس ووتش جميع الحكومات إلى وقف نقل الأسلحة لإسرائيل، نظراً لـ”الخطر الواضح باستخدامها في انتهاكات جسيمة”، وطالبت بتفعيل الآليات القانونية الدولية، وعلى رأسها اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية.
كما شددت المنظمة على ضرورة فتح تحقيقات دولية مستقلة في الهجمات على المدارس، مؤكدة أن بعض هذه الضربات قد ترقى إلى جرائم حرب، ويجب محاسبة المسؤولين عنها جنائياً.
ومع تصاعد الغارات الإسرائيلية واستمرار استهداف المرافق المدنية، تبدو المدارس ـ التي يفترض أن تكون ملاذاً آمناً للأطفال والعائلات ـ تحوّلت إلى ساحات قتل جماعي.
وتثير شهادات الناجين وتقارير منظمات حقوق الإنسان تساؤلات خطيرة حول النهج العسكري الإسرائيلي، وتقاعس المجتمع الدولي في حماية المدنيين، خاصة في قطاع يعاني من حصار طويل الأمد وانهيار شبه تام للبنى التحتية.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل إبادة جماعية في غزة تشمل قتلاً وتجويعاً وتدميراً وتهجيراً، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي 61 ألفاً و158 شهيداً فلسطينياً و151 ألفاً و442 مصاباً، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.
وفي وقت سابق، حذّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من أنّ أي تصعيد جديد في الهجمات العسكرية الإسرائيلية، لا سيما البرية، على قطاع غزة سيؤدي إلى مذابح جماعية غير مسبوقة بحق المدنيين، ويقضي نهائياً على ما تبقى من جهود الاستجابة الإنسانية المتهالكة أصلاً، مؤكداً أن هذا التصعيد، في حال تنفيذه، سيكرّس فصلاً غير مسبوق من الإبادة الجماعية الإسرائيلية، تُرتكب على مرأى من المجتمع الدولي الذي يواصل توفير الغطاء السياسي والمالي والعسكري لمرتكبيها، ما يجعل المجازر القادمة أفعالاً معلنة سلفًا، لا تطورات ميدانية مفاجئة، بل نتيجة محسوبة لسياسة رسمية وعلنية يتحمّل المجتمع الدولي مسؤوليتها الكاملة بصمته وتخاذله، وتواطؤ العديد من الدول بشكل مباشر.