بداية تعاف ونقطة قوة تسجل للحكومة.. جمعة حجازي لـ “الثورة”: تحويل المحافظات المهمشة اقتصادياً لمراكز استقطاب ضرورة

دمشق – هناء ديب:

 

عندما يتم الإعلان رسمياً عن عشرات المشاريع الاستثمارية بمليارات الدولارات وتوقيع اتفاقيات خاصة بها بعد أشهر قليلة من التحرير، مع كلّ ما يواجه الاقتصاد السوري من مشكلات وتحديات كبيرة، فإن قدرة الحكومة على إقناع استثمارات عربية مهمة وكبيرة ووازنة لدخول السوق الاستثماري السوري، يعد نقطة قوة تسجل لها وتحملها بالوقت نفسه مسؤولية كبيرة، أقلها كسب ثقة الشارع السوري من خلال ترجمة فعلية عبر وضع برامج زمنية واضحة ومحددة، لتأخذ تلك الاتفاقيات طريقها الصحيح للتنفيذ على أرض الواقع.

تركز الاستثمارات في دمشق.. ماذا يعني؟.

حجم الاستثمارات الذي يعد سابقة في الاقتصاد السوري والذي وصل لنحو 14 مليار دولار، وعده العديد من المهتمين بالشأن الاقتصادي والاستثماري، كمؤشر على بداية تعاف حقيقي للاقتصاد وسيكون له تأثير مباشر ربما على انخفاض سعر الصرف ومعدلات البطالة، وعامل دعم كبير للدولة  تحتاجها من دون شك بهذه المرحلة التأسيسية لاقتصاد مختلف، ورؤى استثمارية جديدة وجاذبة.. نظر له البعض الآخر برؤية متحفظة أو متوجسة، لكون غالبية الاستثمارات تركزت في العاصمة دمشق، وهي باعتبارها العاصمة تحتاج للنهوض فعلاً ودعمها بمشاريع حيوية ومهمة.
إلا أن تركز غالبية المشاريع فيها أعاد الحديث عن توجهات الحكومات على مدى سنوات في توجيه الاستثمارات نحو محافظتي دمشق وحلب بشكل خاص وتجاهل التوزيع الاستثماري العادل عن باقي الجغرافية السورية رغم الحاجة الماسة لها في تلك المحافظات والمشكلات الكبيرة والعميقة التي ترسخت على مدى عقود فيها جراء هذا التجاهل، وليس أقله الهجرة من تلك المناطق للمدن الكبرى، وخاصة دمشق وحلب، وزيادة معدلات البطالة وتراجع مستوى الخدمات على اختلاف أنواعها فيها، وهذا يعيد من وجهة نظرهم إنتاج المركزية المفرطة ويغيب عنه أي تصور لخارطة تنمية وطنية شاملة .
وحذر البعض من أن سياسة التهميش الاقتصادي والاستثماري عن باقي المحافظات رغم إمكانياتها الزراعية والصناعية والسياحية في حال استمرارها تنذر بتهميش اقتصادي طويل الأمد لملايين السوريين القاطنين في تلك المحافظات، وسيحصر التطوير العمراني والخدمي وفرص العمل بمدينة دمشق مما سينتج عنه حركة نزوح إضافية نحوها، ويفاقم الضغط على مختلف الخدمات فيها أكثر مما هو عليه الآن، وبالطرف المقابل سيؤدي إلى اتساع الفجوة بين سوريا العاصمة وسوريا الأطراف على حد قولهم ويزيد تعقيد مهمة انجاز تنمية متوازنة وشاملة، لذلك لابد لتجاوز هذه المشكلة المستمرة من اطلاق خطة استثمارية وطنية شاملة توزع المشاريع وفق أولويات المحافظات، وتربط التنمية بالبنى السكانية والاجتماعية وتدار بشفافية وشراكة فاعلة مع المجتمع المحلي.
وضمن هذا السياق وعن أسباب التوجس لدى الباحثين والمهتمين بالشأن الاقتصادي من تركز غالبية الاستثمارات المعلن عنها خلال المنتدى الاستثماري السوري– السعودي التقت “الثورة” مع الدكتور جمعة حجازي عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية.

تهميش اقتصادي

ويبين حجازي أن غياب عدالة التوزيع الاستثماري والمشاريع المدرجة تحته ليس وليد اليوم، وشهدنا في سنوات سابقة أيضاً تركز الاستثمارات في محافظتي دمشق وحلب التي كانت تستحوذ على نسبة 70 بالمئة من الاستثمارات لاعتبارات عديدة أهمها وجود بنية جاذبة ومؤهلة، ودعم لوجستي وتقني، ووجود البنوك وشركات التأمين والعمالة الماهرة والقوة الشرائية وبعد الخطة الخمسية العاشرة، جرى التوجه لإقامة المدن الصناعية في حلب، وحمص، ودمشق، ودير الزور، والمفارقة أن المدينة الصناعية في دير الزور لم يستثمر فيها إلا 6 شركات لعدم توفر عنصر جذب تنموي في المناطق الشرقية وغياب التخطيط الاستراتيجي أو خطة إقليمية أو مكانية أو استثمارية.

تفاوت تنموي

وحسب حجازي فإن الإعلان مؤخراً عن عشرات المشاريع الاستثمارية بقيم مالية تجاوزت 14 مليار دولار، وهي من دون شك استثمارات مهمة ويحتاجها الاقتصاد السوري، وتعد بداية انطلاقة قوية له وتعافي بعد سنوات طويلة من التراجع الاقتصادي، إلا أنها أعادت الحديث مجدداً عن أسباب تركزها في دمشق بشكل خاص رغم وجود بعض المشاريع في محافظات أخرى، وما ينتج عن ذلك من تفاوت تنموي كبير بين المحافظات ويؤثر على البطالة وفرص العمل والعائد الاستثماري المحقق، وبالمحصلة يكرس المشكلات والصعوبات الاقتصادية في تلك المناطق والمحافظات الغائبة عن قائمة الاستثمار، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للابتعاد عن المركزية في العمل الاستثماري والاقتصادي أو التهميش الاقتصادي رغم امتلاك المحافظات المهمشة اقتصاديا لمزايا وإمكانات متنوعة زراعية وصناعية وسياحية تؤهلها لتكون ضمن خارطة الاستثمار الجديد.

أولويات مهمة

ويؤكد حجازي أن الاستمرار بتجاهل التخطيط الاقليمي السليم والدراسات والأبحاث المعمقة عن القطاعات والمناطق الجاذبة للاستثمار والترابط بينها، والأخذ بعين الاعتبار العائدين والمهجرين واللاجئين وكيفية استقطابهم وتحقيق استقرار سكاني لهم وتنمية مناطقهم سيعمق مشكلة الاقتصاد السوري المستمرة منذ عقود بغياب التوزيع العادل للاستثمار، وطالما المستثمر بعيد عن ضخ أمواله في تلك المناطق التي تواجه معاناة حقيقية في التنمية لأنها غير جاذبة أو جاهزة للاستثمار- من وجهة نظره، والدولة لا تعمل على تخفيف تلك المعاناة خاصة مع توجهها للخصخصة والاقتصاد الليبرالي المفتوح، سنبقى ندور في حلقة مفرغة ولن تتجه الاستثمارات للمناطق الطرفية.

الحل

حل هذه المشكلة من وجهة نظر الدكتور حجازي يكون تحويل المحافظات والمناطق والمدن “المهمشة اقتصادياً” لمركز استقطاب نمو عن طريق إحداث مراكز جافة وتنموية خاصة به.. فمثلاً محافظة درعا التي تنتج الخضار والفواكه يفترض تركيز صناعات غذائية فيها والتصدير للمنتجات متاح عبر منافذ حدودية مع الأردن وعبرها للخليج، مما يقلل من فاتورة النقل وكذلك الحسكة، ودير الزور المنتجة للنفط عبر اقامة صناعات بترولية وربطها عبر المنافذ الحدودية مع العراق، ولابد من تحديث التخطيط الاقليمي وتبني سياسة سكانية واضحة وخطط زراعية وتنمية ريفية في الأرياف والاعتماد على المكننة الزراعية والري الحديث، وتحقيق التكامل بين الزراعة والتصنيع الزراعي وغيرها، والأهم وضع رؤية واضحة ضمن برامج زمنية لتوضع بناء عليها السياسات الاقتصادية والاستثمارية وتحديد الاحتياجات ليكون كل شيء جاهزاً عند قدوم الاستثمارات، لتوجهها نحو المنطقة الأنسب، لا أن نقيم مشروعاً هنا أو هناك لا يحقق عائدية صحيحة للمنطقة المستثمر فيها.

الإصلاح في إطار رؤية شاملة

ويرى حجازي أن تجاوز المشكلات الاقتصادية والخدمية والتنموية يكون من خلال رؤية شاملة بعيدة المدى تأخذ بعين الاعتبار مثلاً ليس فقط تأمين احتياجات الناس في التعليم والصحة والتأمين، وإنما في شكل ونظام التعليم والقطاع الصحي والخدمي هل سيبقى نفسه كذلك الحال بالنسبة لهيئة التخطيط الاقليمي إذا بقينا ننظر لها من وجهة نظر هندسية مكانية حضرية، وهذا أحد جوانب التخطيط الإقليمي، لكن أيضاً يجب العمل وفق مفهوم وأبعاد ومكونات أخرى.
وعليه من الضرورة العمل على تفعيل القانون 107، ولنذهب للاقتصاديات المحلية اللامركزية وهو قانون مهم يحدد كيفية إدارة هذه الاقتصادات المحلية وتحديد الاحتياجات، وتستثمر بالفرص المتاحة لديها وكذلك تطوير الاقتصاد المحلي في إطار التخطيط المركزي، وهو ضروري في بلد خارج من الحرب، فوجود حكومة قوية وتخطيط مركزي مهم جداً.

آخر الأخبار
الشيباني يبحث مع السفير الصيني المستجدات الإقليمية والعلاقات الثنائية البدء بترميم مدارس متضررة في درعا بدء قبول طلبات الاعتراض على نتائج شهادة التعليم الأساسي وقف استيراد الفروج المجمد.. مدير الدواجن يدعو لمراقبة السوق تعزيز العلاقات التجارية مع مجلس الأعمال السوري- الأميركي وزير المالية يطمئن.. الخبير عمر الحاج لـ"الثورة": تنشيط قطاع الكهرباء يحتاج تكاليف كبيرة إعادة تأهيل ست آبار.. وإزالة تعديات على خطوط المياه بدرعا مطاعم المزة.. نكهات باهظة في مدينة تتعافى ببطء بداية تعاف ونقطة قوة تسجل للحكومة.. جمعة حجازي لـ "الثورة": تحويل المحافظات المهمشة اقتصادياً لمراكز... "أمية" ينفض الغبار بانطلاقة جديدة.. مصطفى خطاب: نراهن على الجودة والسعر معاً ارتفاع الأسعار يودي بزيادة الرواتب في مهب الريح موازنة العام 2026.. رؤية مختلفة عن سابقاتها التمديد الحكمي في عقود الإيجار.. الأكثر أثارة للجدل مشروع القاضي طارق برنجكجي يعيد التوازن التشريعي مشاريع تركيب وصيانة لتعزيز موثوقية الكهرباء بريف دمشق قرية اليعقوبية تحيي طقوس عيد القديسة آنا بريف إدلب قرار جديد يضع التمريض على مسار مهني صارم ويحمي حق المريض وسوريا محكومة بالوحدة والتعايش السلمي بعيداً عن مشاريع التقسيم محطات تنقية وتعاون إقليمي في الأفق.. شراكة استراتيجية لتحسين الواقع المائي خدمات طبية متنوعة يقدمها مستشفى جبلة الوطني المشاريع الاستثمارية رافعة تنموية للاقتصاد المحلي في اللاذقية