عادل أبو شنب… حكواتي الشام

الملحق الثقافي- أحمد بوبس:
هل هو حظي الطيب الذي جعلني أتعرف على صفوة أدباء دمشق، بل وأرتبط معهم بصداقات قوية، جعلتني أعرف عنهم الكثير مما لا يعرفه غيري. ومن هؤلاء الأديب والكاتب والصحفي وأحد ظرفاء دمشق عادل أبو شنب. تعرّفت عليه بشكل مباشر بحكم عملي الصحفي في أواخر السبعينات من القرن العشرين، ولكن معرفتي به عن بعد كانت قبل ذلك من خلال مجلة التلفزيون التي كان يعدها منذ عام 1963.
وعادل أبو شنب – مثل معظم الكتاب والأدباء- دخل عالم الكتابة من باب الصحافة الواسع في مطلع الخمسينات من القرن الماضي. عندما بدأ الكتابة – شبه هاوٍ- في صحف (لسان الشعب) و(الجمهور) و(الشام) و(العلم) وغيرها. وبدأ احتراف الصحافة بشكل فعلي في صحيفة (الوحدة) التي تأسست عام 1959 في عهد الوحدة بين سورية ومصر ، ليتولى رئاسة قسم الثقافة والمنوعات فيها. وفي نفس الوقت ترأس تحرير مجلة (ليلى) التي أصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين وقتها، وعندما تحولت (الوحدة) إلى صحيفة (الثورة) عام 1963، تابع عمله فيها. وكان آخر عهده بامتهان الصحافة كعمل وظيفي في صحيفة تشرين عام 1974، وتولى فيها رئاسة القسم الثقافي أيضاً. ليقتصر نشاطه الصحفي بعدئذ على كتابة الزوايا والمقالات. ولا ننسى ريادته في صحافة الأطفال، فهو مؤسس أول مجلة للأطفال في سورية (أسامة) عام 1969، ورئيس تحريرها في السنوات الثلاث الأولى من عمرها.
وفي خطّ موازٍ للعمل الصحفي، دخل عادل أبو شنب عالم الإذاعة، فأعد برنامج (ألوان) المنوّع ما بين عامي (1954- 1962) لإذاعة دمشق، وكتب نحو مئتي تمثيلية إذاعية و خمسة وعشرين مسلسلاً إذاعياً، قُدِمت في العديد من الإذاعات العربية. ليسرقه التلفزيون من الإذاعة عام 1963، ويسند إليه إعداد (مجلة التلفزيون) حتى عام 1974. وليتحول ضمن التلفزيون نفسه إلى واحد من رواد كتابة الدراما التلفزيونية، عندما كتب أول مسلسل تلفزيوني (حارة القصر)، ثم أتبعه بستة مسلسلات أخرى هي (فوزية) و(هذا الرجل في خطر) و(حارة الملح) و(غرفة رقم 84) ،(وضاح اليمن) و(ديرتنا).
هذا في الجانب الصحفي من حياة عادل أبو شنب. أما في الجانب الأدبي فعطاؤه لا يقلّ غزارة وتألقاً عن عطائه الصحفي. فهو كاتب قصة مجيد. وله فيها عدة مجموعات قصصية أولها :(عالم ولكنّه صغير) وآخرها (المتفرج)، وفي الرواية له روايتان هما :(ذكر السلحفاة) و(الأول والأخير). كما كتب مسرحية وحيدة (اغتيال ملك الجن) التي قدّمها المسرح العسكري عام 1981. ولم ينس أحباءه الأطفال الذين أسّس من أجلهم مجلة أسامة، بل كتب لهم العديد من القصص، جمَعها في أربع مجموعات هي (السيف الخشبي) و(معطف الإخفاء) و(الطفل الشجاع) و(أصدقاء النهر)، وكتب لهم مسرحية وحيدة (الفصل الجميل).
ولأن عادل أبو شنب عاشق دمشق ومتيّمها، فقد وضع العديد من الدراسات عنها وعن أدبائها وفنانيها. من ذلك كتبه :(دمشق أيام زمان) و(رائد المسرح العربي أبو خليل القباني) و(حياة الفنان عبد الوهاب أبو السعود) و(مشاهير دمشق) (شوام ظرفاء). كما له العديد من الكتب عن المسرح والقصة والحكايات الشعبية في سورية وعن النقد الأدبي، ليبلغ عدد كتبه أربعين كتاباً وقد أضحت جزءاً هاماً من المكتبة العربية.
ومن نشاطاته الأخرى مشاركته في كتابة برنامج (افتح يا سمسم) الشهير للأطفال في أواخر السبعينات من القرن الماضي (العشرين). ونشر /57/ قصة للأطفال من تأليفه في مجلة (سامر) للأطفال في بيروت.
وإذا كان عادل أبو شنب قد وضع كتاباً عن الدمشقيين الظرفاء – كما ذكرت- جمع فيه طرائفهم وقفشاتهم، فقد كان هو من هؤلاء الظرفاء، كان صاحب نكتة جميلة وتعليقات ساخرة. وشهدت حياته في العمل الصحفي الكثير من الطرائف والمواقف الحرجة،فأثناء تولّيه رئاسة قسم الثقافة والمنوّعات في صحيفة الوحدة عام 1960 اتصل به ذات يوم رئيس تحرير الصحيفة جلال فاروق الشريف، وأعلمه أن فرقة (كوميدي فرانسيز) الفرنسية ذات الصيت الواسع سوف تصل إلى دمشق في اليوم التالي لتقدم عرضها (مسرحية البخيل) لموليير باللغة الفرنسية على مسرح القباني. وطلب منه تغطية الحدث. ولم يجد عادل أبو شنب أمامه إلا الدكتور رفيق الصبان لكونه يتقن اللغة الفرنسية، فكلفه بحضور المسرحية والكتابة عنها.
وفي صبيحة اليوم التالي للعرض حضر الدكتور رفيق الصبان إلى مكتب الأستاذ عادل وبين يديه مقال عن العرض المسرحي الذي قُدم على مسرح القباني. واعتذر الدكتور الصبان عن عدم إحضار الصور لأن المصور لم يذهب إلى العرض. وقرأ عادل أبو شنب المقال فوجده رائعاً ، فدفع به إلى المطبعة ليأخذ طريقه إلى النشر.
وفي صباح اليوم الذي نُشر فيه مقال الدكتور الصبان عن عرض (كوميدي فرانسيز)، اتصل الأستاذ جلال فاروق الشريف رئيس التحرير بالأستاذ أبو شنب ، وجرى بين الاثنين الحوار التالي، وكان البادئ بالكلام الأستاذ الشريف:
 الموضوع الذي كتبه الصبان عن (الكوميدي فرانسيز) جيد يا عادل.
  هل أعجبك؟
 جداً.. لكن اعلم يا عادل أن الدكتور الصبان قد كتب المقال من بنات أفكاره.
  لماذا؟… وكيف؟
 لأن فرقة (كوميدي فرانسيز) لم تأت إلى دمشق.
وشعر الأستاذ عادل أبو شنب بالخجل، وتمنى لو أن الأرض انشقت وبلعته. وعلى الفور اتصل بالدكتور رفيق الصبان وعاتبه على فعلته هذه، فرد الصبان قائلاً:
– ماذا أعمل يا عادل؟.. طلبتم الموضوع والفرقة لم تأت. أتريدون مني ألاّ ألبي رغبتكم. رغباتكم عندي أوامر.
وقبل رحيله بعدة أشهر أنجزت فيلماً وثائقياً عنه للقناة الفضائية السورية، وكان قد فقد القدرة على المشي، فتم تصوير الفيلم بكامله في منزله قرب حديقة الجاحظ. وبعد عدة أشهر وبالتحديد بتاريخ 27 أيار 2012، فُجعنا برحيل حكواتي الشام الذي طالما أمتعنا بحكاياته الجميلة عن دمشق وتراثها وظرفائها.
           

العدد 1146 –  6-6-2023    

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها