كل شيء خاضع للاجتهاد والسلطة التقديرية لدى الموظف في تحديد ضريبة أو تقرير سريان الرسم على المواطن أو المعاملة من عدمه، وكل شيء وارد في كتاب محفوظ لدى هذا الموظف أو ذاك للرجوع إليه.. إلا الإيجار فلا سلطة لأحد عليه..
سلوك غريب من نوعه يمارسه المؤجر ضد المستأجر، والطرف الثالث المشرف على الطرفين متفرج لا يعنيه الموضوع في شيء، على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين وهو مبدأ يسري على الحقوق الثابتة للطرفين ومدى غبن طرف لأحدهما وقبول الآخر بذلك (مرغماً لا مخيراً)، ولكن ما لا يسري بموجب هذا المبدأ هو حق الخزينة العامة للدولة.
كل من في طول البلاد وعرضها يعرف ويدرك أن خيمة من شعر الجمل في بادية مقفرة لا يمكن أن تؤجر بأقل من 150 إلى 200 الف ليرة سورية شهرياً، وهو اتفاق لا غبار عليه إن قبل به المستأجر، ولكن أن يقبل الموظف المعني بتنظيم العقد بقبول تسجيل مبلغ الإيجار الشهري لبيت في أهم أحياء العاصمة دمشق بمبلغ 25 إلى 50 ألف ليرة سورية فذلك أمر صادم ولا بد من الوقوف عنده..
إن كان الموظف هو المتواطئ في تقزيم مبلغ الإيجار فالرقابة اللاحقة والقانونية على العقود من شأنها “خراب بيته”، ما يعني أن منظومة أخرى غيره تشاهد وتتستر على كل ما يجري وتُعنى باستمرار التقويم مع كل عقد من العقود، أما عقابيل هذا الأمر فهو الضريبة المستحقة لخزينة الدولة والتي تتفنن وزارة المالية في تشريح المواطن العادي للحصول على أمثالها، في حين لا تشاهد ولا تسمع عن مطرح ضريبي بأهمية الإيجارات..
تقزيم المبلغ المدون في عقد الإيجار يعني تقزيم الضريبة المستوفاة من المؤجر عن عقار حقق له ربحاً صافياً بالكامل غير مثقل بأي ضريبة حقيقية، نتيجة تحمّل المستأجر انواع المدفوعات المترتبة كافة، الأمر الذي يعني تجفيفاً رافداً شديد الأهمية للخزينة ورفاهية لا حدود لها للمؤجر، في وقت يقول فيه المنطق والعقل إن ما يجري من عملية على العين المؤجرة هو عملية تجارية لا عقدية، تحقق ربحاً شبيهاً بأرباح المصارف التي تودع أموالها لدى بعضها بعضاً لتحصل على فائدة تدفع منها فوائد للمودعين لديها.
هي ناحية تعانيها سورية بكليّتها، بعد الانزياحات السكانية الكاملة خلال فترة الحرب، ولا بد من تنظيم العملية الإيجارية حتى يحصل كل طرف على حقه.. وبغير ذلك لا بد من التوضيح حول سبب غض البصر عما يجري.. والأهم لمصلحة من؟!.