“موندياليزاسيون”: غالبية الدول تتوق إلى نظام دولي أكثر إنصافاً بعيداً عن الهيمنة الأمريكية

الثورة – ترجمة محمود اللحام:
في الصراع الدائر في أوروبا، هناك انقسام ملحوظ بين أولئك الذين يعارضون الحروب والغزوات الأمريكية ومسؤولية البنتاغون ووكالات الاستخبارات الأمريكية في الإطاحة بالأنظمة في جميع أنحاء العالم والعملية الروسية في أوكرانيا.
بينما يعارض الكثير من الناس بشدة التدخلات العسكرية الأمريكية وعواقبها المدمرة، لا يقف الجميع إلى جانب أوكرانيا في هذا الصراع بالذات.
على العكس من ذلك، اتخذ البعض موقفاً مثيراً للجدل، إما بالدفاع أو الامتناع عن إدانة تصرفات روسيا في أوكرانيا. وهذا يثير سؤالاً جوهرياً: لماذا لا يقف أولئك الذين يعارضون حروب الولايات المتحدة بالضرورة إلى جانب أوكرانيا في هذا الوضع؟.
يحاول البعض ربط العملية الروسية على أنها تشابه الحروب الأمريكية وتاريخ الجيش الأمريكي في احتلال دول أخرى. هذا الموقف لا يقوم على تطبيق انتقائي للقانون الدولي أو لقرارات مجلس الأمن. إنه ينبع من خيبة الأمل الأوسع نطاقاً تجاه تجاهل القوى العظمى للقانون الدولي وقدرتها على إيجاد مبررات لغزو دول أخرى وتوسيع نفوذها خارج حدودها. لقد تسببت هذه الأعمال الحربية في خسائر فادحة في الأرواح وزعزعة كبيرة في الاستقرار في أجزاء مختلفة من العالم.
غالباً ما يستشهد منتقدو التدخلات العسكرية الأمريكية بأمثلة سابقة لدعم حججهم. حتى السياسيون الأمريكيون يستخدمون حججاً مماثلة للمطالبة بالرئاسة، لكنهم يفعلون الشيء نفسه تماماً مثل أسلافهم للحفاظ على سلطة المؤسسة.
في الواقع، أثناء انتقاده لسلفه، أشار الرئيس السابق دونالد ترامب إلى كيف عانى الشرق الأوسط من تدهور كبير في الاستقرار خلال فترة ولايته. وتحدث عن صعود داعش والاضطرابات في ليبيا وسيطرة الإخوان المسلمين على مصر والفوضى في العراق.
وزعم ترامب أن هذه النتائج جاءت نتيجة التدخل الأمريكي، مشيراً إلى أن الحروب في المنطقة لم تؤد إلا إلى زعزعة الاستقرار فيها، كما انتقد غزو العراق بذرائع كاذبة، مشيراً إلى أن وجود أسلحة دمار شامل أمر كاذب.
ترددت أصداء تعليقات ترامب عبر المحيط الأطلسي. لقد جر رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، بلاده إلى الحرب في العراق،، وبعد عقدين من الزمان، اعترف بلير بمسؤوليته أنه ارتكب خطأ وأن أجهزة المخابرات جرّت البلاد إلى حرب في العراق أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من المدنيين.
لكن السؤال هو من الذي يحاسب هؤلاء القادة الغربيين، من بين صانعي القرار العظماء هؤلاء سيُحاكمون ذات يوم بتهمة القتل الجماعي وتدمير البلدان لغرض وحيد هو الحفاظ على التضامن، حتى في المهام الشريرة؟.
لقد عززت الإجراءات اللاحقة التي اتخذتها الإدارات الأمريكية، بما في ذلك الرؤساء جورج بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب، التصور القائل بأن الولايات المتحدة تعتبر نفسها فوق القانون وتتهرب من المساءلة.
وهذا التصور يعززه دعم الإدارة الأمريكية لأعمال إسرائيلية مثل “قصف” سورية واغتيال العلماء الإيرانيين وتجويع السكان من خلال العقوبات المعوقة واحتلال الأراضي الفلسطينية واللبنانية والسورية.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تصرفت الولايات المتحدة وفقاً لمصالحها، وسعت إلى توسيع نفوذها في العالم، بشكل أساسي لمواجهة الاتحاد السوفيتي والحفاظ على قيادته العالمية.
من وجهة النظر هذه، لا يقتصر التدخل الحالي للولايات المتحدة في أوكرانيا على منع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من السيطرة على بضعة آلاف من الكيلومترات.
على العكس من ذلك، كما قال الرئيس جو بايدن، هذه فرصة للولايات المتحدة لإعادة تأكيد قيادتها على أوروبا تحت القيادة السياسية والعسكرية الأمريكية. إنها أيضاً خطوة استراتيجية لفصل أوروبا عن روسيا وإرسال رسالة غربية قوية وموحدة إلى الصين الصاعدة.
ومع ذلك، فشلت الولايات المتحدة في أن تأخذ في الاعتبار أن جر روسيا إلى حرب طويلة الأمد في أوكرانيا من شأنه أن يؤدي إلى تورط واشنطن في صراع مكلف وغير مؤكد نتائجه، خاصة إذا كان على أوكرانيا أن تدفع ثمناً باهظاً.
هذا هو السبب في أنه من مصلحة الولايات المتحدة محاولة جعل الحرب تستمر لأطول فترة ممكنة. وقالت نائب وزير الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند: إن الحرب قد تستمر 6 أو 16 عاماً، لتظهر من هم صناع القرار الحقيقيين، ومن يديرون الحرب والذين لا يهتمون بالعواقب. لا يوجد اتفاق سلام جذاب للولايات المتحدة حتى تصرخ روسيا من الألم.
وخلال خطاب ألقاه أمام الزعماء الأفارقة، قدم الرئيس فلاديمير بوتين وثائق موقعة من كبير وسطاء إسطنبول والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. تشير هذه الوثائق إلى أنه تم الاتفاق على مسودة معاهدة سلام من ثماني عشرة فقرة في نيسان 2022. ونص هذا الاتفاق بشكل خاص على انسحاب روسيا من ضواحي كييف وإعادة المركبات المدرعة مقابل التزام أوكرانيا بعدم السعي إلى الانضمام إلى الناتو.

تحارب أوكرانيا بشكل رئيسي مع الرجال الأوكرانيين (مع بضعة آلاف من المرتزقة) ، لكن كل الخطط والأسلحة العسكرية تأتي من الغرب الذي يحكم البلاد. ليس هناك فخر بكوننا دولة تابعة للولايات المتحدة والزعماء الأوكرانيون يضحون بجيل في ساحة المعركة لدفع محادثات السلام إلى طاولة المفاوضات، وهكذا تنتهي الحروب مهما طال الوقت.
لكن الضغوط الغربية، المتمثلة في زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى كييف، حثت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي صراحة على وقف المفاوضات.
كان للتطورات الأخيرة في الصراع، مع الهجوم الأولي للجيش الأوكراني الذي يعكس تجربة الجيش الروسي في المراحل الأولى، آثار دولية كبيرة. تحتاج القوات المهاجمة إلى 4-5 مرات أكثر من المدافعين.
إذا انهار رأس الحربة الأوكراني وأثبتت القوات الروسية صمودها، ستخسر الولايات المتحدة وحلفاؤها ساحة المعركة. وقال قائد القوات المشتركة الأمريكية مارك ميلي: إن 60 ألف أوكراني تلقوا تدريبات في 33 دولة في ثلاث قارات، لكن ما فعله الجيش الأوكراني بهجومه المضاد هو إضعاف رأس الحربة لقوات الهجوم على خطوط الدفاع القوية لروسيا، وهي أيضاً خسارة في ساحة المعركة للولايات المتحدة وحلفائها.
مثل هذه النتيجة (خسارة الغرب للحرب) لها آثار عميقة على النظام الغربي. إنه يتحدى فكرة الأحادية التي اعترف بها مؤخراً العديد من القادة الأوروبيين، ويسلط الضوء على حدود الدول القوية التي تفرض إرادتها دون مساءلة.
هذا الوعي يشجع الدول التي نشأت تحت المظلة الأمريكية على الخروج من صمتها واتهام الولايات المتحدة بأنها أول منتهك للقانون الدولي.
إن عدم الوقوف إلى جانب أوكرانيا يعني تلقين الولايات المتحدة درساً ضرورياً ومحاسبتها على سياساتها المدمرة ورغبتها في وضع نفسها فوق كل القوانين. وهو يدعو إلى الحاجة إلى إعادة تنظيم نظام عالمي غير غربي وإلى احترام ملزم للقانون الدولي بعيداً عن التفسير الأمريكي للقانون الدولي المتكيف مع سياسات واشنطن.
هذا الهدف له ثمن باهظ قررت أوكرانيا دفعه، وكذلك على الاتحاد الأوروبي دفع الثمن الذي يجب دفعه لكونه صديقاً للولايات المتحدة.
إن انتصار الولايات المتحدة في أوكرانيا يعني توسع الهيمنة العالمية، وإمكانية حدوث المزيد من الانقلابات، ومعاقبة الأفراد والدول، والتحضير لمزيد من الصراعات، خاصة مع الصين، واستمرار انتهاك القانون الدولي.
لهذه الأسباب، فإن معظم الدول الخاضعة للسيطرة الأمريكية غير الموالية لم تنضم إلى التحالف الأمريكي لمعاقبة روسيا. وهذا يثبت أن هذه الدول تريد إما هزيمة الولايات المتحدة أو ظهور عالم متعدد الأقطاب يمكن أن يحررها من الإذلال والهيمنة والقتل والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على أولئك الذين يعارضون سياساتهم.
الهدف النهائي هو منع الولايات المتحدة من سرقة الموارد الطبيعية للدول الأخرى، والعيش بسلام، وإنهاء حقبة الحروب التي أرهقت العالم.
لا تؤثر عواقب هذا الصراع على أوكرانيا فحسب، بل تؤثر أيضاً على المشهد الجيوسياسي بأكمله.
باختصار، أولئك الذين يعارضون الحروب والغزوات الأمريكية لا يقفون بشكل كامل إلى جانب أوكرانيا في صراعها مع روسيا، لأنهم يريدون من الولايات المتحدة أن تحاسب على أفعالها السابقة ويتوقون إلى نظام دولي أكثر توازناً وإنصافاً.
وهذا يؤكد مدى تعقيد الديناميكيات الجيوسياسية والاعتبارات المتعددة التي تلعبها، خاصة عندما يتم تسليط الضوء على دور الولايات المتحدة في استفزاز روسيا لإلحاق هزيمة أخرى بها في أفغانستان. الصراع في أوكرانيا له آثار بعيدة المدى على ديناميكيات القوة العالمية، والمعايير الدولية، والسعي من أجل عالم أكثر استقراراً وسلمًا بعيداً عن الهيمنة الأمريكية أحادية الجانب.
المصدر: موندياليزاسيون

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم