المعيار العالمي لخط الفقر حالياً هو ( 2,15 ) دولار في اليوم، أي ( 64,5 ) دولاراً في الشهر، وهذا يعني أن أي شخص يعيش على أقل من ذلك يُعد شخصاً في حالة فقر مدقع، ولو قرّشنا هذا المعيار على السوري – وعلى سعر البنك المركزي للحوالات ( 8200 ) ليرة للدولار، وليس على سعر السوق السوداء – لنتج معنا أننا حتى نحظى بخط الفقر ونزدهي بالوقوف عليه يجب ألا يقل متوسط الدخل عن :
64,5×8200=528900 ليرة سورية، أجل / 528 / ألفاً و/ 900 / ليرة شهرياً، أي أكثر من أربعة أضعاف وسطي رواتب العاملين في الدولة والمتقاعدين حالياً، ولذلك عندما قالت الحكومة إنها تناقش واقع الرواتب والأجور والوضع المعيشي منذ عدّة أسابيع – ولا يزال النقاش مفتوحاً بعزيمتها المعهودة باعتبار أن أي نتائج عنه لم تظهر بعد – كان علينا أن نفهم أنّ الأمر ليس أكثر من محاولة لتخديرنا وتسكين أوجاعنا.
كان يمكن لمثل هذا المسكّن أن يفيدنا عندما نكون على خط الفقر، أما ونحن غائصون تحته في أعماق المرارة والاختناق فلن يكون أكثر من حوّارٍ فاقدٍ للصلاحية، والغوص الحكومي في مثل هذا النقاش المديد بات مكشوفاً بأنه ليس أكثر من متجرِ وَهْمٍ تفتحه أمامنا لنشتري، ولكن هذا ما كان ليفيدها شيئاً، لأننا بالأصل غير قادرين على الوصول إلى باب هذا المتجر فنحن غائصون أبعد منه بكثيرٍ في القاع.
الواقع الحنظلي والاختناقي الموجع الذي نعيشه لا يحتاج إلى نقاش، ولا إلى أخذٍ أو رد، فمثل هذه الحالات لا تحتمل لأنها ذات صبغة إسعافية، وإن كان لا بدّ من نقاش فيمكن له أن يجري ويكون مسموعاً بعد الاطمئنان من الوصول إلى حدود الخط، وما دون ذلك يكون نقاشاً عبثياً يزيد من الأوجاع تفاقماً.
ولذلك ليس لنا أن نعوّل كثيراً على ما أعلنت عنه الحكومة منذ أسابيع لأنّ الطابع الانكماشي اللا معقول لهذه الحكومة يكاد يؤكد لنا .. بل يؤكد وبارتياح بأنها لن تكون مكترثة بمخاطر إبقائنا تحت خط الفقر، إذ من غير المعقول أن تُضاعف الرواتب أربعة أضعاف كي نقف على ذلك الخط، فنحن مطمئنون أننا سنبقى تحته، وفي الواقع فإن وجودنا في هذا المكان هو منسجم جداً – بكل أسف – مع التوجهات الخلبية لهذه الحكومة التي بدأتها معنا بوعودٍ وهمية منذ بيانها الوزاري الذي قالت فيه أنه يهدف إلى تحديد الاستراتيجيات العامة التي ستسير عليها الحكومة لتنفيذ مهامها ومسؤولياتها وبروح وطنية مسؤولة، تقوم على برامج تنفيذية محدّدة بإطار زمنيّ وإجراءات فعليّة لمدة ثلاث سنوات، ومؤشّرات تقيس حجم الإنجاز والعمل في جميع القطاعات.
وأضاف البيان بأن تحسين مستوى معيشة المواطنين يُعدّ الهاجس الأهم للعمل الحكومي، والهدف الرئيس للسياسة الاقتصادية للحكومة، التي ستستمر باتخاذ كافة الإجراءات لتحقيق هذا الهدف سواء من خلال الزيادات المدروسة للرواتب والأجور أم متمماتها، ومن خلال تخفيض تكاليف المعيشة، وتعزيز القوة الشرائية للعملة الوطنية، وضبط الأسواق والأسعار.
هذا كله سيحصل خلال ثلاث سنوات .. إذ إن الأمر سيكون تدريجياً على ما يبدو، ومن هنا يمكننا أن نتلمّس حكمة الحكومة بهذا المنحى التدريجي لأن هذه العطايا كلها لو جاءت على شكل حزمة واحدة قد تُفقدنا صوابنا، ولذلك فهي تهدئ من روعنا باعتمادها مبادئ النقاش والدراسة التي تُمهّدنا نفسياً لمتغيرات البيان الموعود، وها قد مضى اليوم نحو سنتين على ذلك البيان ونحن نتدرّج ولكن بالاتجاه المعاكس حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه.. ولا يزال النقاش دائراً .. !