زكي الأرسوزي – في ذكرى رحيله…  وهج الفكر القومي يتجدد

الثورة – ديب علي حسن:
تمر هذه الأيام ذكرى رحيل واحد من أهم المفكرين القوميين العرب، بل ينسب الكثيرون إليه فكرة البعث القومي ونذره حياته للعمل القومي، وهنا اتذكر ما قاله تلميذه الوفي الشاعر الكبير الراحل ( سليمان العيسى ) من أن زكي الأرسوزي قد حوَّل بيته الصغير أو غرفته في الأزبكية  إلى ملتقى للطلاب العرب ومناقشة القضايا الوطنية والقومية، زكي الأرسوزي الذي رأى أن عبقرية العربية في لسانها أسس لمدرسة في هذا المجال، بعضهم يراها متأثرة بالفلسفة الغربية ولاسيما الألمانية، ولكنه طورها لتكون  بنت الفكر العربي.
– محطات..
تقول المعطيات الكثيرة التي تنشر عن حياته ومنها اليوكيبيديا إنه ولد في عام 1900 أو 1899 لعائلة من الطبقة المتوسطة، في مدنية اللاذقية على الساحل التي كانت تابعة وقتها للسلطنه العثمانية، كان والده نجيب محامياً، وقد ألقي القبض على والده من قبل السلطات العثمانية عام 1915 بسبب أنشطته القومية، وقال زكي لاحقاً أنَّ هذه الحادثة هي التي وجهت اهتمامه نحو العمل السياسي، وأرسلت العائلة لاحقاً إلى منفى داخلي في مدينة قونيا في الأناضول، وبعد عام في المنفى سُمح لنجيب وعائلته بالعودة إلى أنطاكية، ووفقاً لزكي فقد استبدل والده العلم العثماني بالعلم الهاشمي في مقر حكومة أنطاكية عند سماعه خبر دخول فيصل الأول من العراق إلى دمشق أثناء الثورة العربية الكبرى.
بدأ زكي الأرسوزي الدراسة في معهد لاوت في لبنان بعد الحرب العالمية الأولى، وهناك أتقن اللغة الفرنسية والفلسفة، بعد أن أنهى دراسته الجامعية حصل الأرسوزي على وظيفة مدرس رياضيات في مدرسة ثانوية محلية في أنطاكية، وشغل بعد ذلك منصب رئاسة المنطقة التعليمية في الفترة ما بين 1924 – 1926، وفي عام 1927 حصل الأرسوزي على منحة من المفوضية الفرنسية العليا للدراسة في جامعة السوربون في فرنسا، حيث درس هناك من عام 1927،
وقد طوَّر الأرسوزي اهتماماً خاصاً بالفلسفة الأوروبية في القرن التاسع عشر، وانجذب إلى أفكار جورج توماس وإيميل براير وليون برونشفيغ وهنري بيرجسون ويوهان غوتليب فيشت وغيرهم.
عاد زكي الأرسوزي إلى سورية عام 1930، واستمر في عمله كمدرس في أنطاكية، ووفقاً للمؤرخ باتريك سيل فقد منعته السلطات الفرنسية في سورية من تعليم طلابه أفكاراً حول الفلسفة الأوروبية والثورة الفرنسية ومواضيع حساسة أخرى، وعندما ألقي القبض عليه وهو يعلِّم طلابه عن قيم الثورة الفرنسية كالحرية والمساواة والعدالة والثورة أُرغم على ترك التدريس، ومن المعروف أنه قد أولى اهتماماً كبيراً  بالجانب الثقافي  فقد كان الشرط الوحيد للعضوية في نشاطه الفكري كان كتابة أو ترجمة كتاب يساهم في إحياء التراث العربي، من أجل ذلك وُصف بأنه من مؤيدي الصورة اللغوية للقومية العربية، وفي عام 1942 نشر واحداً من أهم أعماله «عبقرية اللغة العربية»،
– من مؤلفاته..
من مؤلفات زكي الأرسوزي التي جمعت في دمشق بين عامي 1972 و 1976 وصدرت في مجلدات وهي:
– العبقرية العربية في لسانها..
رسالة الفلسفة والأخلاق.
– رسالة الفن.
– رسائل المدينة والثقافة.
– الأمة العربية.
– صوت العروبة في لواء الإسكندرونة.
– متى يكون الحكم ديمقراطياً.
– الجمهورية المثلى.
– التربية السياسية المثلى.
ويرى ميثم الجنابي في الحوار المتمدن  أن الجانب  الشخصي لفلسفة الأرسوزي يبرز أيضا على مثال حياته وموته، أي إن تاريخها النظري يتمثل أيضاً في تاريخه الشخصي، فقد ولد الأرسوزي في بداية القرن العشرين وتوفي بعد الانتكاسة الكبرى الأولى في تاريخه القومي الحديث، بمعنى إننا نعثر في حياته ومماته على تمثل نموذجي لحياة الفكرة العربية من حيث ولادتها وموتها الأول، اي ظهورها وفسادها، وقد كانت تلك الفاجعة الأولى التي سوف تعطي للفقدان قوة الوجدان، بمعنى إن ضياع الأرض الفلسطينية المؤقت قد أدى إلى اكتشافها الروحي الأوسع، ومن ثم نقلها إلى حيز المصدر الدائم في شحن وشحذ الوجدان العربي مع ما ترتب عليه من اكتشاف أولي لفكر العقل التاريخي العربي وتقوية إقدامه للنهوض الجديد بعد الغيبوبة الطويلة في دهاليز الزمن الضائع لدولة القومية في عالم الفكر وميدان الحياة السياسية.
لقد عايش الأرسوزي صعود الفكرة القومية ورؤية ملامحها المتراكمة، كما عايش بالقدر ذاته انحدار المشروع القومي صوب القطرية المحاصرة، وتعرضه اللاحق للتجزئة الثقافية والتهرؤ السياسي، وفيما بين هذه البداية والنهاية تلألأت رؤيته الفلسفية للفكرة القومية العربية، بوصفها معاناة أولية حقيقية كبرى، بحيث تطابق مضمون هذه المعاناة مع كيفية ونوعية الصيغة الأولية لما يمكن دعوته بفلسفة الأنا الثقافية. الأمر الذي جعل من الأرسوزي فيلسوف الأنا القومية الثقافية. ومن ثم احتواء تأسيسه النظري على بوادر الرؤية الأولية لفكرة القومية التلقائية (الروحية).

وبالتالي، لم يكن مضمون الرجوع إلى ميتافيزيقيا اللغة المتسامية والخالدة عنده سوى محاولة انتشال الفكرة من السقوط والانحدار صوب تجزئتها إلى حروف منفصلة لا تستقيم مع حقيقة العربية، والركض وراء جمعها في كلمات بلا عبارة! ذلك يعني، إن الاتجاه صوب ملكوت اللغة كان بالنسبة له أسلوب الرجوع إلى الملك العربي المفقود، اي الواقع البائس! لكن مأثرة الأرسوزي تقوم في محاولته تحويل البؤس المادي إلى بأس روحي، من هنا أصبحت السباحة في عالم الملكوت أسلوب تأمل المعنى والوجوب مع ما ترتب عليه من توحيد العربية النموذجية في حروفها لكلمات النطق والمنطق الروحي للماضي والحاضر والمستقبل.
من هنا محاولته تأسيس فهمه الجديد لقضية أصل اللغة اذ نراه يبدأ من تناول القضية – الإشكالية القديمة عما إذا كانت اللغة اصطلاحية (موضوعة من قبل العقل) أو نتاجاً للوحي، لكي يؤسس على كيفية حلها فكرته عن القومية العربية، فقد انطلق من المقدمة القائلة بأن ربط اللغة (العربية) بالغيب تضييق على العقل، كما أن اعتبار اللغة مجموعة من الرموز موضوعة من قبل العقل هو دوران في حلقة مفرغة، وذلك لأن هذا القول يفترض وجود عقل كامل، وكيف يمكن ذلك دون كلام (اللغة)؟. ووجد الأرسوزي الحل فيما اسماه “بالصدفة السعيدة” في اكتشاف جذر اللغة (العربية)، وعثر عليه فيما اسماه بمنهج اللسان العربي بوصفه جذر “اللغة الكونية”، ما حدد بدوره طابعها المتميز وأصالتها التي ينبغي أن تستعيد هيئتها الأولى بوصفها فكرة قومية أصيلة.) .
بقي أن نشير إلى أنه ولد عام 1899 _ ورحل في 2 تموز 1968.

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم