مدير صرح الجندي المجهول لـ”الثورة”: يجسد قيم الشهيد والشهادة

الثورة – حوار غصون سليمان:
في الطريق إلى دروب المجد قد لا تسعفك الذاكرة لتستحضر ما يجب أن يحضر وأنت المتهيب بإحساسك وخطواتك لذكرى وقداسة مكان بات محجّاً وقبلة ومنهلا لعاشقي الكرامة .. تلفح وجهك نسمات عذبة متسللة من بين أشجار السرو والأرز المحاطة بجانبي الطريق إلى أن تصل غرفة القيادة الوادعة بأحضان الطبيعة، يستقبلك المعنيون بإطلالة مشرقة وابتسامة مكللة بعبارة أهلا وسهلا.. استراحة قصيرة بالمكان وننطلق بعدها لأداء المهمة، فقبلتنا صرح الجندي المجهول في ربا قاسيون الشامخ.
إذ تنعش أنفاسك قداسة الروح، كيف لا وأنت في محراب الشهادة حيث يقوى البصر وتتسع مدارك البصيرة برفقة ابن المؤسسة العسكرية المقدم خلدون غصن مدير صرح الجندي المجهول لنطل من خلال الشرح والتوصيف على خصوصية مكان له في قلب كل سوري وقفة عز على امتداد الوطن، ووساما في ذاكرة التاريخ، وهدية غالية من القائد المؤسس حافظ الأسد.

إنشاء الصرح
يذكر المقدم غصن أنه منذ اللحظة الأولى لفكرة إنشاء الصرح عام ١٩٧٠ كانت تعليمات القائد المؤسس حافظ الأسد أن تكون المخططات الموضوعة ومن يقوم بتشييدها وبنائها هم من المهندسون والفنيون والعاملون السوريون وحتى المواد المستخدمة في بناء الصرح هي مواد محلية، حيث الحجر الأبيض الديراني مأخوذ من مدينة دير عطية المشهورة به، والحجر الأسود المأخوذ من محافظة السويداء، وبالتالي الحالة المعمارية هي حالة تكاملية تعبر جميعها عن سورية.
فبعد قيام الحركة التصحيحية المجيدة وخوض معارك حرب تشرين التحريرية تم الإعلان في العام ١٩٧٩ بناء على توجيهات القائد المؤسس حافظ الأسد كما ذكرنا عن مسابقة لأفضل تصميم معماري موضوعه صرح الجندي المجهول شاركت فيه نخبة من مهندسينا وفنانينا وقدمت إلى لجنة الإشراف العليا مشاريع عدة اختارت وأضافت وطورت ما هو مطلوب فضمت إليها، متحفا وقاعات ومعارض ديوراما لمعارك خالدة في التاريخ العربي .
ولتوسيع المشاركة الفنية الوطنية في مشروع تصميم الصرح تم الإعلان وعبر نقابة الفنون الجميلة عن مسابقة أخرى ضمن معرض فني على أن يكون موضوعه المعارك الحاسمة الكبرى في التاريخ العربي كمعركة اليرموك، حطين، ميسلون، حرب تشرين التحريرية ،حرب لبنان حيث قدم الفنانون التشكيليون لوحات فنية رائعة عرضت بالمتحف الوطني في شهر أيار عام ١٩٨٧ عبرت عن مقدرة فنية عالية بإنجاز لوحات ديورامية تجسد المعارك المؤثرة الهامة بتاريخ سورية والمنطقة .
بين الذاكرة والتوثيق
وبعد اجتياز المدخل الرئيس باتجاه القسم السفلي عبر الدرج المغطى بالسجاد الأحمر برفقة مدير الصرح، أول ما يقع نظرك في القسم الخاص بمتحف الصرح على عدة حوامل خشبية تأخذ شكل أيقونات فنية ضمت عشرات الصور لعينة من صور شهداء حرب تشرين التحريرية. يقابلها مجسمات زجاجية لمجموعة من الأوسمة التي يتقلدها ضباط الجيش العربي السوري اعتبارا من وزير الدفاع وحتى رتبة ملازم نتيجة القيام بأعمال بطولية مثل وسام أمية الوطني، ووسام بطل الجمهورية الذي يمنحه السيد الرئيس بشكل شخصي، إضافة إلى شارات تمثل كل أنواع وصنوف القوات الموجودة في الجيش العربي السوري من برية وبحرية وجوية وغيرها، وكذلك الأوسمة والنياشين التي توضع على صدر الضابط طيلة مسيرة عمله في الخدمة، وهذه متعلقة بالمدة الزمنية التي يقضيها الضابط.
وتضم المجسمات أيضا أنواع الأسلحة المستخدمة عبر تاريخ الجيش العربي السوري منذ أيام معركة اليرموك وحطين وصولا إلى الأسلحة المستخدمة بمعركة ميسلون، والسيف الدمشقي الذي هو رمز وهوية.
فن الواقع
وفي القسم الخاص بلوحات “الديوراما “والتي هي عبارة عن خمس لوحات فنية مجسمة يوضح مدير الصرح أن اللوحة الديورامية بما تعنيه هي حالة تداخل مابين الفن المتمثل بالرسم والألوان ما يبهر المشاهد والمتفرج، بمعنى لا يوجد فصل بصري بين اللوحة والواقع المتداخلين وهي فكرة وحالة إبداعية غير مسبوقة قدمها المصممون السوريون .
ففي اللوحة الأولى جسد الفنانون معركة سهل اليرموك جنوب سورية التي قادها خالد ابن الوليد وفتح فيها بلاد الشام بعد انتصار العرب في هذه المعركة بشكل حاسم على الروم .
واللوحة الثانية جسدت معركة سهل حطين بفلسطين في تموز ١١٨٧ حيث وحد فيها صلاح الدين الأيوبي القوات العربية في جبهة واحدة تضم الشام ،العراق ،مصر ، وفلسطين، وانتصر العرب على الإفرنج وتم تحرير بيت المقدس.
وفي اللوحة الديورانية الثالثة جسدت وقائع معركة ميسلون يوم وجه الجنرال غورو في ١٤ تموز ١٩٢٠ إنذاره الشهير إلى الحكومة السورية لقبول الانتداب الفرنسي وتسريح الجيش السوري، ومع تحرك الجيش الفرنسي الغازي باتجاه دمشق تصدى له الجيش العربي السوري في منطقة ميسلون بقيادة وزير الدفاع البطل يوسف العظمة الذي قال عبارته الشهيرة ” لن نسمح للتاريخ أن يسجل بأن الفرنسيين دخلوا سورية دون مقاومة، حيث استشهد في تلك المعركة ولم يسلم الراية.

تحرير مرصد جبل الشيخ
ويؤكد المقدم غصن أن ما يميز معركة تحرير مرصد جبل الشيخ في اللوحة الرابعة هو أن المرصد كان مجهزا من قبل كيان العدو بالداخل والخارج بحيث من المستحيل أن يتم اختراقه ليكون رمزا لمقولة الجيش الذي لا يقهر بعدما جمعوا خبراتهم العسكرية والعلمية لتحصين موقع المرصد. ولكن وبقرار من القائد حافظ الأسد تمت عملية إنزال مظلي على بعد خمسة كم عن مكان المرصد يوم السبت ٦/١٠ الساعة الثانية ظهرا عام ١٩٧٣ حيث تمكن عناصر ورجال الوحدات الخاصة من الوصول والسيطرة عليه بفضل عنصري المفاجأة وشجاعة الأبطال بعد قتل وأسر جميع عناصر المرصد ورفع العلم العربي السوري فوق ذراه ليعلن بداية حرب تشرين التحريرية بقيادة السيد الرئيس حافظ الأسد .
ويتابع غصن الحديث كيف وثقت اللوحة الخامسة مجريات معركة السلطان يعقوب في بقاع لبنان ليلة ١٠/١١ حزيران عام ١٩٨٢ فبعد تمهيد مدفعي كثيف هاجمت كتيبة دبابات إسرائيلية مواقع جيشنا الأمامية في منطقة السلطان يعقوب وتصدى لها كمين من اللواء ٥٨ الفرقة الأولى فدمر سرية منها، وتم الاستيلاء على ٧ دبابات وأسر عددا من جنوده، وفي اليوم الثاني نفذ جيشنا هجوما معاكسا استطاع إجبار العدو على الانسحاب غير المنظم جنوبا، هذه المعركة هي درة في تاريخنا المعاصر برز فيها المقاتل العربي السوري عملاقا مصمما على الانتصار شعاره الخالد “الشهادة أو النصر”.

وبعد تعرفنا على دوري المتحف واللوحات الديورامية مررنا بقاعة السجل الذهبي الخاصة بالوفود الزائرة لتسجل كلمة تذكارية باسم ممثل الوفد أو رئيس الوفد عن انطباعه بما رآه من عظمة الصرح، وتجاور هذه القاعة أيضا القاعة الرئاسية التي يتم فيها استقبال الرئيس الضيف وتتسع لعدد كبير من الضيوف الزائرين. إلى أن توقفنا في ساحة البهو حيث لتفاصيل الحدث نكهة أخرى.
قبة السماء
في هذه الفسحة من أرض الكبرياء تطوف الكلمات على لسان المقدم غصن وهو يوصًف الشكل الجبهي المؤلف من قبة مجردة تبدو وكأنها معلقة في الهواء وهذه “ميزة إنشائية معمارية تدخل في مضمار الممكن الصعب”. هذه الساحة التي من خلالها يظهر حجم التعب والجهد والفن المعماري، ولعل الشيء المميز أن هذه الحوامل الموجودة للقبة لا ترى من بعيد فتغدو القبة حاملة نفسها بنفسها، وهذه ليس كما يفكر الناس أنها خوذة جندي، وإنما هي تمثل قبة السماء في إشارة إلى الإطلاق والكونية: فالشعلة هي دم الشهيد المتقد، والنار الصاعدة من الشعلة هي من الناحية الفلسفية ثلاثة أقسام :ذات النار التي تمثل روح الشهيد. والضوء يمثل صورة الشهيد الموجود في كل بيت وشارع وساحة في سورية إضافة لوجوده في قلوبنا دون منازع. أما الحرارة فهي حرارة هذه النار التي تمثل الأفعال التي قام بها الشهيد ومازالت آثارها مستمرة، فلولا الشهيد لما كنا جميعا في مواقعنا ومؤسساتنا، اذا هذه الشعلة تعبر عن هذه الأجزاء الثلاثة.
وكذلك الصرح هو عبارة عن ثلاثة أجزاء، يمثل الأول القوس والبناء المحيط، والثاني هو القبة، والثالث هو الشعلة، فكأنما نتحدث هنا عن جسد إنسان يمثله القوس والعمارة المحيطة، فيما الشعلة تمثل الحس، والقبة تمثل النفس التي هي الروح المتصلة بعالم السماء، فالجيش العربي السوري حسب تعبير مدير الصرح هو العنصر والمكون الوحيد الذي أخذ الأبعاد الثلاثة، مترجما ذلك من أن الجسد هو حدود الوطن الذي يحميه هذا الجيش، والحس هو ذاك الحس القومي الموجود عند كل مواطن سوري، لكنه عند أبناء القوات المسلحة متقد أكثر لأنهم يمثلون عقيدة القائد المؤسس حافظ الأسد.
أما الروح: فإن الوحيد الذي قدم روحه قربانا على محراب الوطن هو الشهيد.. والوحيد الذي اختار أغلى مهر لعروسته والتي هي حرية البلد هو الشهيد.
لذا نلاحظ أنه بكل معاني هذا الصرح يمثل الوطن بشكل عام والشهيد بشكل خاص.
وأضاف بأن الحالة السماوية التي تمثلها القبة هو أن الكون بدائرتيه عبارة عن جزأين الجزء الأعلى وهو السماء والجزء الأدنى هو الكرة الأرضية، فحتى نحافظ على قداسة الشهيد وعلاقته مع السماء أظهرنا هذه القبة السماوية الذي كتب عليها آية من الذكر الحكيم ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون”. وكأن الشهيد لا يحرس فقط البقعة الأرضية التي يعيش فيها، وإنما يحرس السماء، لأن هذه الدائرة المحيطة بالآية الكريمة من الذكر الحكيم هي عبارة عن تجليات الله في كل مكان، فالشهيد يمثل هذا المقام.
رؤية الشعلة
ويتابع مدير الصرح قوله إن الجندي المجهول توضيحا دون حصر هو الشهيد الذي قدم روحه فداء لوطنه، فهو الشجاع بإقدامه، والكريم بسخائه، والأمين على القيم، والوطني الفذ في وطنيته.

إذ ليس من السهل أن تعدد شهداء نضال أمتنا الطويل، ولكن ثمة شهيدا رمزا، نكرم مثواه، ونجدد ذكراه، نندبه عن جميع الشهداء. إنه بالنسبة لنا في هذا الصرح، ابن لكل أم ثكلى، أب لكل طفل وطفلة يتيمة، هو زوج لكل أرملة، ابن كل أسرة بقيت في حياتها على ما تعيش هي وذاك الطفل وتلك الأم يتنفسون من نور تلك الشعلة. فحين يقف الزائر وهو في رحاب هذا الصرح الكبير يكتشف رؤيته الأولى بين نقوش الحجر، وزخرفة اللون، ويدون رؤياه الثانية في سجل الخالدين ” هنا يرقد مقاتل استشهد من أجل سورية والعروبة ” فيتلمس اليقين، وتمتزج المعجزة بالحقيقة. فحين نرفع له صرحا شامخا تقدم أمامه أكاليل الوفاء والتمجيد لأنه أشرف من أحب وأعطى.
فكل عام وذكرى تأسيس الجيش العربي السوري شعلة مضيئة لا يخبو نورها بفضل تضحيات أبطال هذا الجيش ودماء شهدائه الأطهار وصبر جرحاه .. كل عام وسورية المنتصرة جيشا وشعبا وقيادة بألف خير.

آخر الأخبار
New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق The national interest: بعد سقوط الأسد.. إعادة نظر بالعقوبات على سوريا بلدية "ضاحية 8 آذار" تستمع لمطالب المواطنين "صحافة بلا قيود".. ندوة لإعداد صحفي المستقبل "الغارديان": بعد رحيل الديكتاتور.. السوريون المنفيون يأملون بمستقبل واعد باحث اقتصادي لـ"الثورة": إلغاء الجمرك ينشط حركة التجارة مساعدات إغاثية لأهالي دمشق من الهلال التركي.. السفير كوراوغلو: سندعم جارتنا سوريا خطوات في "العربية لصناعة الإسمنت" بحلب للعمل بكامل طاقته الإنتاجية الشرع والشيباني يستقبلان في قصر الشعب بدمشق وزير الخارجية البحريني عقاري حلب يباشر تقديم خدماته   ويشغل ١٢ صرافا آلياً في المدينة مسافرون من مطار دمشق الدولي لـ"الثورة": المعاملة جيدة والإجراءات ميسرة تحسن في الخدمات بحي الورود بدمشق.. و"النظافة" تكثف عمليات الترحيل الراضي للثورة: جاهزية فنية ولوجستية كاملة في مطار دمشق الدولي مدير أعلاف القنيطرة لـ"الثورة": دورة علفية إسعافية بمقنن مدعوم التكاتف للنهوض بالوطن.. في بيان لأبناء دير الزور بجديدة عرطوز وغرفة العمليات تثمِّن المبادرة مباركة الدكتور محمد راتب النابلسي والوفد المرافق له للقائد أحمد الشرع بمناسبة انتصار الثورة السورية معتقل محرر من سجون النظام البائد لـ"الثورة": متطوعو الهلال الأحمر في درعا قدموا لي كل الرعاية الصحية وفد من "إدارة العمليات" يلتقي وجهاء مدينة الشيخ مسكين بدرعا