الثورة – سمر حمامة:
في ظل ما تشهده سوريا من أزمات اقتصادية خانقة وتدهور في الظروف المعيشية، أصبح الشباب في موقف لا يُحسدون عليه، إذ باتت الحاجة إلى العمل ضرورة لا خياراً، ليس فقط لتأمين احتياجاتهم الشخصية، بل لدعم أسرهم في ظل الغلاء المتصاعد، غير أن هذا السعي الشريف نحو العمل، يُقابل أحياناً باستغلال من أرباب العمل الذين يستفيدون من حاجة هؤلاء الشباب واليافعين وحتى الأطفال لتقديم ساعات طويلة من الجهد مقابل أجور لا تتناسب مع ما يُطلب منهم من مهام.
حاجة للعمل
يزن، طالب جامعي على مشارف التخرج في كلية الحقوق، يروي قصته لـ”الثورة” قائلاً:”أعمل في أحد المراكز التجارية بضاحية الشام منذ أشهر، أبدأ عملي من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساءً، أما يوم الخميس فأبقى حتى الواحدة بعد منتصف الليل، كل هذا مقابل 700 ألف ليرة شهرياً، أقوم بتحميل البضائع وتنظيف المحل، ورغم قناعتي أن العمل ليس عيباً، إلا أنني أشعر أن جهدي يُستغل بشكل واضح، لولا حاجتي الماسة للعمل، لما بقيت، لكن ما باليد حيلة.
“يوسف، شاب في بداية العشرينيات، يواجه ظروفاً مشابهة، يقول:”بحثت طويلاً عن عمل كي أساعد عائلتي، وخاصة أختي طالبة الثانوية العامة والتي تحتاج دروساً خصوصية، أحدهم عرض عليّ العمل 8 ساعات يومياً مقابل 400 ألف ليرة فقط، والعمل في منطقة تبعد كثيراً عن سكني، وبالتالي أحتاج يومياً لأكثر من 15 ألف ليرة للمواصلات، هذا ظلم صريح، لكن حاجتنا للعمل تجعل أصحاب المحلات يفرضون شروطاً لا إنسانية.
“ولا يقتصر الاستغلال على الشباب الجامعي، بل يطول الفتيات أيضاً.
رغد، طالبة ثانوية عامة، تعمل في أحد محال بيع الألبسة، تقول:أعمل 7 ساعات يومياً مقابل 350 ألف ليرة فقط، أقوم بالترتيب والتنظيف والبيع، وغالباً لا أستطيع أخذ استراحة مناسبة، أتحمل كل ذلك لأن أهلي لا يستطيعون تلبية كل متطلباتي، ولكن أشعر أحياناً أن كوني فتاة يجعلني عرضة لطلبات فوق طاقتي من دون اعتبار.
“أما فادي، طفل يبلغ من العمر 13 عاماً، فقد ترك المدرسة بسبب ظروف أسرته، ويعمل في محل لتصليح السيارات، يقول بصوت خافت:”أشتغل من الصبح حتى المساء، أساعد المعلم، أنظف القطع، وأحياناً أُصاب ولا أحد يهتم، يعطيني 200 ألف بالشهر، بس أهلي بحاجة، وأنا ما بقدر أقعد بلا شغل”.
استغلال صريح
الاختصاصي الاجتماعي مازن الحمصي يرى أن ما يحدث يُعدّ استغلالاً صريحاً لحاجة الشباب والأطفال للعمل، فالمشكلة هي أن القوانين المتعلقة بسن العمل وظروفه غالباً لا تُطبّق على أرض الواقع، خصوصاً في ظل غياب الرقابة الفعلية وانتشار الفقر، هناك حاجة ملحة لوضع ضوابط حقيقية، وتفعيل دور مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في مراقبة بيئة العمل، وضمان حقوق العاملين الشباب، سواء من حيث الأجور أو عدد ساعات العمل أو بيئة العمل نفسها.
“ويضيف: “الأطفال العاملون هم الأكثر تضرراً، حيث تُسرق طفولتهم ويُحرمون من التعليم، مما يُكرّس دورة الفقر ويزيد من معدلات الجهل والبطالة في المستقبل”.
أمام هذه الشهادات المؤلمة، تتضح معالم أزمة حقيقية تتعلق باستغلال فئات عمرية شابة في ظروف عمل غير إنسانية، بدافع الحاجة الماسة للمال، ومع ازدياد حدة الضغوط الاقتصادية، تُصبح هذه الظاهرة أكثر انتشاراً، ما يستدعي تدخلاً عاجلاً من الجهات المعنية، المطلوب ليس فقط ضبط ساعات العمل والأجور، بل خلق بيئة آمنة ومحترمة تحفظ كرامة هؤلاء الشباب، وتضمن لهم الاستمرار في التعليم والتطور المهني بعيداً عن الاستغلال.