الثورة _ غصون سليمان:
بات من المؤكد أن كل جهد يبذل وكل مال ينفق في مواجهة مشكلات التلوث البيئي يضيع هباءً منثوراً مالم يهتم المواطنون بالحفاظ على البيئة وصونها، كما أنه من المؤكد أن التطبيقات التقنية في حد ذاتها لا تؤثر في البيئة إلا من خلال الإنسان الذي يوجه التقنية نحو الخير أو إلى ضرر البيئة.
يشير الدكتور صخر عجوز مدرس مادة علم البيئة في كلية الهندسة الزراعية جامعة حماة في هذا السياق إلى تعاظم الدور البشري بزيادة كثافة السكان، ولاسيما حول الموارد الطبيعية المحدودة، وتالياً لا سبيل إلى إنجاح برامج مكافحة التلوث البيئي وصون الطبيعة في غياب توعية ومشاركة المواطنين، خاصة أن المواطن لن يكون إيجابياً في أداء ماهو منوط به مالم يكن واعياً بطبيعة العلاقة بين الإنسان والبيئة، وبين مكونات النظم البيئية وارتباط بعضها بالآخر، ومالم يكن عارفاً بالأساليب الفعالة التي تعظم دوره في صون البيئة، وبالطبع ليس مطلوباً حسب رأي الدكتور عجوز أن تكون معرفة المواطن على مستوى معرفة العلماء والخبراء بل يكفي إلمامه بإبعاد القضية، حيث تهدف برامج التوعية البيئية إلى جعل المواطن أكثر تفهماً ودراية بالمواقف التي تنجم عن تدخله غير الرشيد في البيئة لتحقيق آلياته.
وعيٌّ بيئيٌّ
حتى يستثنى تحقيق هذا الهدف ينبغي أن يناط بأجهزة الإعلام تشكيل وعي بيئي بصورة إيجابية تدفع المواطن إلى تغيير سلوكه الضار بالبيئة وتحثه على المشاركة في حل مشكلاتها من خلال مراحل ثلاث أولها التوعية بالمشكلات البيئية، وثانياً التأثير في مشاعر واتجاه الجمهور المستهدف، وثالثاً التأثير في السلوك العام.
تزويد الناس بالمعلومات
ويوضح مدرّس مادة علم البيئة أن المرحلة الثالثة هي أصعب مراحل منظومة الإعلام البيئي فقد يسهل على أجهزة الاتصال تزويد الناس بالمعلومات، بيد أن تغيير المواقف والسلوكيات مسألة قد يصعب منالها طالما أن المعرفة لا تؤدي بالضرورة إلى تغيير السلوك، وهو ما يعرف بالإعلام الجيد الذي لا يحقق النتائج المرجوة، لافتاً إلى أن أجهزة الإعلام توجه برامج التوعية البيئية إلى مستويات ثلاث تشمل أولها: كبار المسؤولين المنوط بهم إصدار التشريعات واتخاذ القرارات ومباشرة تنفيذها، وفي الثانية تشمل المجموعة الاستراتيجية التي تضم العلماء ورجال الدين وقيادات الهيئات والمنشآت التعليمية والإنتاجية ورؤساء الجمعيات المهنية، وتشمل المرحلة الثالثة: عامة المواطنيين الذين يتدنى الوعي البيئي لديهم إلى مستوى تنعكس تأثيراته على تلوث وتدهور البيئة.
وهنا تتعامل أجهزة الإعلام في كل مجتمع مع أربع مجموعات من البشر مجموعة غير الملمين بقضايا البيئة، ومجموعة غير المبالين، ومجموعة السلبيين، ومجموعة الملتزمين، ولكل من تلك المجموعات مايناسبها من برامج التوعية التي تحقق الهدف المنشود.
ولفت الدكتور عجوز إلى وجود العديد من الأدوات والوسائل التي يمكن تسخيرها في برامج التوعية البيئية تناسب المستويات كلها، كالحديث المباشر عبر عقد الندوات والمؤتمرات والدورات التدريبية، والمعسكرات، والاتصال بالفئات المعنية من خلال الكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية.
نمطان مختلفان للتغطية
وبصفة عامة تتناول أجهزة الإعلام قضايا البيئة من خلال نمطين مختلفين.
الأول: الأزمات والكوارث البيئية في عجالة سريعة تكتفي بالتغطية الإعلامية وتتحاشى الخوض في التفاصيل، ومعظم وسائل الإعلام لديها المهارة في إثارة النتائج الخطيرة المرتبطة بحادثة ما، وليس لديها الرغبة في وضع تلك المخاطر في منظور واقعي، ويتسم هذا النمط الاعلامي بالسطحية الى حد ما وتمويل الحدث وتجاهل الدور الرئيس لأجهزة الإعلام في مواجهة قضايا تلوث البيئة، فيما يعتمد النمط الثاني على تكامل المعالجة الإعلامية للقضايا المطروحة ويسترسل في توعية وتعريف الناس بتفاصيل المشكلة وأساليب مواجهتها.
التشريعات البيئية
يذكر أنه تم سن العديد من القوانين الخاصة بحماية البيئة خاصة في المجتمعات المتقدمة حيث أن التشريعات التي وضعت كانت نتيجة لتحويل البحوث المنفذة في مجال حماية البيئة إلى أسلوب ومناهج حياة تلتزم به كافة شرائح المجتمع طواعية أو كراهية ، بما يحقق السلوك السوي للناس داخل البيئة ويؤدي التكامل بين تطبيق التشريعات البيئية بصرامة وتكثيف برامج التوعية البيئية إلى بناء مجتمع يعيش في تناغم مع بيئته.