“الكهرباء” تغادر التجاري والمصارف الخاصة.. قوشجي لـ”الثورة”: “المركزي” يبتعد عن دوره.. ومزيد من العزلة المالية
محمد راكان مصطفى:
وجّه مدير عام المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، خالد كسّار أبو ديب، تعميماً عاجلاً إلى الشركات العامة للكهرباء في المحافظات، يُلزمها بإغلاق جميع الحسابات المصرفية المفتوحة في البنك التجاري السوري والبنوك الخاصة، والاكتفاء بالتعامل مع مصرف سوريا المركزي فقط.
وجاء التعميم، الذي حصلت صحيفة الثورة على نسخة منه، بهدف تنظيم العمليات المالية وضمان انسيابها ضمن القنوات الرسمية، بعد ملاحظة تعثّرات متكررة في سحب الأموال وتسديد المستحقات للموردين، بسبب صعوبة السحب من الحسابات المفتوحة لدى البنك التجاري السوري والبنوك الخاصة وغيرها، وعدم إمكانية الاستفادة منها بالشكل المطلوب، ما أدى إلى فقدان الثقة مع الموردين نتيجة التأخير أو عدم القدرة على السداد في الوقت المناسب، الأمر الذي انعكس سلباً على سير العقود المبرمة وتسبب في بطء أو توقف العديد من الأعمال والمشاريع.
ونصّ القرار على إيقاف العمل بجميع الحسابات المصرفية المفتوحة لدى البنك التجاري السوري والبنوك الخاصة وغيرها بدءاً من تاريخ 20 أيار لعام 2025، والالتزام الكامل باعتماد الحسابات المصرفية المفتوحة لدى مصرف سوريا المركزي فقط لتنفيذ جميع العمليات المالية ابتداءً من تاريخ 21 أيار لعام 2025، والعمل على تسوية وتحويل جميع الأرصدة المتبقية في الحسابات المجمدة إلى الحسابات المعتمدة في مصرف سورية المركزي.
وأكد التعميم ضرورة إبلاغ جميع المشتركين، وخاصة كبار المشتركين، بهذا الإجراء بشكل رسمي ومسبق، وذلك ليتسنى لهم اتخاذ ما يلزم من ترتيبات تضمن استمرار التعاون وتنفيذ الالتزامات المتبادلة من دون تأخير.
تحرك مثير للاستغراب
الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي رأى أن الساحة المصرفية السورية شهدت مؤخراً تحولاً لافتاً، وبدأت الشركات الحكومية الكبرى تحوّل إيداعاتها من المصارف التجارية إلى حساباتها في مصرف سوريا المركزي.
قوشجي اعتبر في حديثه لـ”الثورة” أن هذا التحرك يثير استغراباً كبيراً في الأوساط الاقتصادية، إذ تنص المبادئ المصرفية العالمية على أن المصارف المركزية لا تفتح حسابات للشخصيات الاعتبارية (بما في ذلك الشركات)، بل تقتصر علاقتها على البنوك التجارية (ضمن نظام التسويات والاحتياطي)، والحكومة والخزينة العامة (لإدارة أموال الدولة).
وقال: بهذا الإجراء، يبتعد المصرف المركزي عن دوره الأساسي كمنظّم للنقد، ليتحوّل بشكل غير مسبوق إلى ما يشبه المصرف التجاري الذي ينافس القطاع المصرفي الخاص.
ويرى قوشجي أن هذا التحوّل يُضعف قدرة المصرف المركزي على إدارة السياسة النقدية بفعالية، والسيطرة على معدلات التضخم وتقلبات سعر الصرف، وفي تقديم الدعم اللازم لاستقرار الاقتصاد عبر أدواته التقليدية (مثل الإقراض الأخير).
تبرير رسمي
وأضاف: إذا كان التبرير الرسمي لهذه الخطوة هو شحّ السيولة في الجهاز المصرفي، فإن هذا التبرير يغفل أن المشكلة الأساسية تكمن في القرارات السابقة في عهد النظام البائد، التي فُرضت من خلالها مصادرة الأرصدة الأجنبية وتحديد سقوف السحب، ما أدى إلى تراجع ثقة القطاع الخاص بالجهاز المصرفي، وتحوّل الأموال إلى “الاقتصاد تحت الفراش” (تكديس النقود خارج النظام المصرفي)، ما أدى إلى تفاقم الانكماش الاقتصادي في سورية.
ولفت قوشجي إلى أنه كان بالإمكان معالجة أزمة السيولة عبر حلول أكثر فاعلية، مثل إصدار شيكات مصرفية من البنوك التجارية لمصلحة الشركات صاحبة الاستحقاق تُصرف من المصرف المركزي، أو عبر ضخّ سيولة مستهدفة عبر القنوات المصرفية النظامية، ودمج كل المؤسسات المالية في الجهاز المصرفي المرخّص في سورية، وتخفيف العمولات المصرفية التي تحجز جزءاً من السيولة، وعن طريق تعزيز ضمانات سحب الودائع بجميع أنواعها لاستعادة ثقة المودعين.
وختم قوشجي حديثه قائلاً: يواجه الاقتصاد السوري تحديات جسيمة تتطلب قرارات حكيمة تستند إلى المبادئ المصرفية الراسخة.
فتحويل حسابات الشركات إلى المصرف المركزي ليس حلاً، بل هو إجراء يزيد من عزلة النظام المالي ويُعقّد الأزمة القائمة.
وإن استعادة الثقة بالنظام المصرفي تتطلب إصلاحات جذرية تُعيد الاعتبار لدور المصرف المركزي كمُنظّم محايد، وتفتح آفاقاً للتعامل مع النظام المالي العالمي، اليوم كل العالم يرقب القرارات الاقتصادية ليمنحنا الثقة، ويدمج تعاملاتنا المالية مع التعاملات المالية من خلال التبادلات المصرفية التجارية المحلية بالعالمية.