ظاهرة أم تهاون؟! أدباء وكتّاب: جميعنا معنيون

الملحق الثقافي- حوار: فاتن دعبول:
من الخطورة بمكان أن يتفشى الفساد في عناصر المجتمع الأساسية، إن كان الفساد اقتصادياً أو إدارياً أو سياسياً، ولكن أن يمتد الفساد ليطال ثقافتنا التي تشكّل الدعامة الأساس في بناء المجتمع، وأن يستهدف هذا الفساد ثقافة الأبناء ويمس رموز المجتمع أو يحاول أن يمزّق تلك الروابط الاجتماعية التي تشكّل حبل الوريد الذي يربط أفراد المجتمع، فهذا أمر جلل يجب التنبه إليه ومحاربته، لحماية البلاد من تدّهور اجتماعي وثقافي وقيمي.
وكثيراً ما نتحدث عن غزو ثقافي خارجي يتسلل إلى مجتمعاتنا ويسكن عقول أبنائنا، ونحاول عبر المنابر الثقافية الحدّ منه ونشر الوعي لخطورته، ولكن عندما يكون هذا الغزو داخلياً، فالأمر يصبح خطيراً ويستحق أن نطلق صافرة الإنذار من أجل توقف زحف الفساد الثقافي الذي يمس قيمنا وهويتنا وثوابتنا الوطنية.
معنى الفساد الثقافي وكيفية مواجهته، سؤال توجهنا به إلى عدد من الأدباء والباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي، فكانت الآراء التالية، عساها تحرك الراكد وتصنع فرقاً.
يقول الدكتور حسين جمعة:
إن الفساد الثقافي هو أن يوضع غير المثقف في مكان غير جدير به، وأن يقود أنصاف المثقفين من هم أغنى ثقافة منهم، وأن يصبح المسؤول الثقافي هو المؤسسة الثقافية يتصرف فيها كأنها مزرعته.
وأن يعيّ الموظفون في المؤسسة الثقافية من غير الحقل الثقافي، وأن تكون الخطط الثقافية من غير الحقل الثقافي، وأن تكون الخطط الثقافية مؤدلجة لحساب نظرية من النظريات، بعيداً عن الثقافة الوطنية، وأن تكون الثقافة نسخاً وتقليداً لا ابتكار فيها ولا تابعة لأحد.
معايير ثقافية
وكلّ إصلاح ثقافي يوجب البناء على معايير ثقافية متقدّمة علمية ووطنية ينفذها مسؤولون مؤهلون ثقافياً ووطنياً وفق برامج مدروسة تبعاً للأعمار والمراحل التاريخية المنفتحة على تجارب الآخر وثقافته من دون الوقوع في التبعية والنسخ.
وتعد الشللية والفئوية والإيديولوجية والمذهبية والعشائرية من الأمراض التي أفسدت الثقافة وأهلها، ولعلّ ما أساء للعمل الثقافي أن كثيراً من الفئات المسؤولة لعبت على لقمة عيش الإنسان واستغلتها لبيع الضمائر فشوّهت الحياة وانتهكت القيم الخلقية.
تجاوز القيم والثوابت
ويبين الدكتور سليم بركات أنه يمكن تصنيف الفساد من حيث مجالاته إلى أنواع منها السياسي، الاقتصادي، الإداري والفساد الثقافي.
الأول: ويقصد به استغلال أصحاب المناصب للسلطة المخولة لهم من أجل الكسب غير المشروع، وغالباً ما كان هذا الفساد عنصراً في إحداث التغيرات السياسية عبر التاريخ عن طريق التمويل وإساءة استخدام السلطة، والثاني: وهو الفساد الاقتصادي البعيد عن تحقيق العدالة حيث التفاوت الكبير في الدخل بين أصحاب الدرجات العليا والعاملين في المستويات الأدنى، والذي يدفع إلى الانحراف للحصول على الرشوة والعمولات عبر تقديم الخدمات.
والثالث :وهو الفساد الإداري الذي يصيب مؤسسات وهيئات أجهزة الدولة، نتيجة الانحرافات الإدارية والوظيفية التي تصدر عن الموظف أثناء تأديته للعمل الإداري مخالف للتشريعات والقوانين من أجل الحصول على مكاسب ومنافع شخصية بطرق غير شرعية.
والرابع: وهو الفساد الاجتماعي وفي طليعته الثقافي الذي يتجاوز قيم وأخلاقيات المجتمع وثوابته العقائدية والتاريخية التي ورثها عن أسلافه، والتي تمثّل ركائز نهوض المجتمع لمواكبة التقدّم والتطور، ركائز لو تغير سلوك الفرد تجاهها تجعله يتعامل مع الآخرين بمادية، مغلّباً المصلحة الذاتية على المصلحة العامة.
من هذا المنطلق نستطيع أن نعرف الفساد الثقافي على أنه نوع من الفساد الذي يصيب الثوابت العامة للمجتمع، متغلغلاً إلى الهوية والموروثات، ليحدث خللاً يناسب رغباته ومصالحه بحجة حرية الرأي والإبداع، ومن خلال إيجاد مناهج تعليمية تثقيفية متعددة يصعب الاجماع الاجتماعي على إدانتها، أو سن التشريعات القانونية لتحريمها.
تبني الشمولية الفكرية في المجتمع
تشهد المجتمعات البشرية اليوم، بغض النظرعن موقعها الجغرافي أو درجة نموها الاقتصادي، أو مستوى ثقافتها السياسية، أشكالاً مختلفة لمفهوم الفساد الثقافي، كما هو الحال بالنسبة لمفهومي الخير والشرالمرتبط بطبيعة بني البشر، والمجتمعات البشرية الصالحة التي تخلو من هذا الإشكال لا وجود لها إلا في طوباويات الفلاسفة والمفكرين، لأنه ظاهرة تتسم بالعمومية التي شهدتها المجتمعات على مرّ العصور، والتي تتطلب استئصال هذا الفساد الذي شملت صوره» الأشخاص، السلوكيات، المعتقدات، الأخلاق والتعليم ..» وخير وسيلة لمحاربة هذا النوع من أنواع الفساد هو عدم تبني الشمولية الفكرية في المجتمع، لأنها المرتع الوحيد للفساد الثقافي، وهذه حتمية لا استثناء فيها، فحيث تحلّ الشمولية الثقافية ينتفي التعدد الثقافي وحواراته العلمية الديمقراطية، وبالتالي يحل الفساد الثقافي بكل أطيافه، ويكون افتقار الدولة للمجتمع النقدي السلاح الأمضى في مواجهة الفساد الثقافي.
يقول الدكتور عبد الله الشاهر:يعرف الفساد بأنه السلوك غير الصحيح الذي يقوم به من من له جانب من جوانب السلطة تمكنه من الاستحواذ على المال من دون وجه حق، ومن أشكاله» الرشوة، المحاباة، الواسطة ونهب المال العام والابتزاز ..» وهذا الفساد في كلّ حالاته هو جريمة يعاقب عليها القانون.
أما الفساد الثقافي بمفهومه الواسع هو سلوك الأفراد أو الجماعات الثقافية بقصد أو دون قصد، والذي يؤدي للعبث بأولويات المجتمع وإرثه الثقافي والفكري وتطلعاته نحو بناء مستقبل واعد، إما بإدخال مفاهيم جديدة ضارة أو بمحاربة مفاهيم أصيلة مفيدة تؤدي إلى تشوهات في البنية الثقافية للمجتمع.
هو الأخطر
وفي الواقع أن الفساد الثقافي هو الأخطر، لأنه يظل غائباً عن المفهوم العام للفساد، ومرد هذا الغياب راجع إلى أن الثقافة تتوجه في الغالب للنخب، ومن ثم فإن المستشعرين لأضرار هذا النوع من الفساد أقل بكثير، إضافة إلى أن هناك إجماعاً على إدانة الأنواع الأخرى من الفساد وتجريمها، بينما لا يوجد قانون واضح يردع ويجرّم الفساد الثقافي بصوره المتنوعة.
والإشكالية في الأمر والتي تغيب عن الكثيرين، هي أن هذه الأضرار الناتجة عن الفساد الثقافي أكبر وأعظم وأخطر بكثير من أنواع الفساد الأخرى، ذلك لأن الفساد الثقافي نوع خفي لا يمكن اكتشافه بسهولة، إذ إن تأثيره مستقبلي وبطيء، ذلك أنه يتصل بالعقول التي تبني الوطن وتسهم في ارتقائه، ويتصل بالفكر الذي يؤدي فساده إلى كوارث ثقافية واجتماعية وسياسية، ورغبة في الكشف عن هذا النوع من الفساد يمكن التعرض لبعض أنماطه وصوره للفت النظر إلى خطره وعظيم أثره.
أفكار هدامة
ومن صور الفساد الثقافي تمرير الأفكار الهدامة والخروج عن الثوابت من خلال الثقافة، وتفكيك الهوية الوطنية وممارسة الإرهاب الفكري وإثارة العصبيات والنعرات الطائفية.
ومن صور الفساد الثقافي أيضاً الشلليات والتجمعات المنزوية في زوايا كلّ مؤسسة ثقافية، حيث تسيطر هذه الشلليات عليها فكرياً، وتقوم بتوجيهها كيف شاءت من خلال بناء علاقات وتحقيق مصالح شخصية، أما الثقافة والفكر فآخر همهم.
والحقّ أن لهذه الشللية أثراً كبيراً وخطيراً ومدمراً ترتب عليها اختفاء رموز كبيرة من المثقفين وصعود أسماء لا تستحق، ومن صور الفساد الثقافي أيضاً السماح للأعمال المتهافتة الضعيفة بالنشر فضلاً عن الإعلان عنها والاحتفاء بها وإشهارها وحجب الكثير من الطاقات الإبداعية التي لم يوافق على نشرها، وهذا يفضي إلى إفساد الأذواق والاستهتار بالأدب والحط من مكانة الإبداع والمبدعين ويجرىء الفارغين على اقتحام هذا المجال، فيعيثون فيه فساداً بعقولهم الصدئة للتسلق على أكتاف المبدعين الحقيقيين، والتمظهر بصورة المثقف الأديب، فينخدع الناس بهم.
تنصيب غير المؤهلين
ولعلّ الأكثر خطراً هو تكليف غير المختصين بمناصب ثقافية، وتنصيب غير المؤهلين فكرياً وثقافياً في مواقع قيادة، فأمثال هؤلاء هم من يقودون الوطن، وهم من يوجهون أبناءه ثقافياً، ولذلك ينبغي الالتفات إلى هؤلاء وتخليص الثقافة منهم، حيث جمعوا بين الفساد الثقافي والإداري، وهنا يجب القول بأن أخطر نتيجة من نتائج الفساد الثقافي وأشدها ضرراً على المجتمع، يرجع إلى أن الفساد الثقافي يتمتع بحصانة ما يسمى حرية الرأي، أو حرية الإبداع والتي فهمها البعض على أنها انفلات، وأنها تتيح لك ما تريد دون وازع أو ضابط.
ويخلص د. الشاهر إلى الدعوة للاهتمام بهذا النوع من الفساد والتعامل معه بجدية والضرب بيد من حديد على كلّ من يستغل حرية الثقافة والرأي في الإساءة إلى الوطن.
هو الجهل الفاضح
ويرى د. محمد الطاهر أن للفساد الثقافي أنواعه، فساد الناقد عندما يتبوأ منصة النقد وهو جاهل لأصول النقد والتمكين النقدي، وفساد المؤلف الذي يسعى إلى استعارة الجمل والتعبير من الغير، كالشاعر الذي ينسب بعض شعر غيره، له وهذا يحدث يومياً على منصات التواصل الاجتماعي وأحياناً في المراكز والتجمعات الثقافية.
وهناك فساد الروائي والقاص والشاعر الذي يستعين بغيره ليكتب له لقاء أجر معين، وهذا أصبح ظاهرة لها أسواق رائجة بكلّ أسف، وكذلك فساد المسؤول في مكان ما وهو جاف من المعرفة وربما في أدنى صفوفها، ولدينا أمثلة كثيرة وكذلك الذي يتولى قيادة أو إدارة لندوة أو حوار، وينطبق الأمر ذاته على المتحاور الآخر.
إذاً الفساد الثقافي هو الجهل الفاضح لمن يمتهن حرفة الإبداع، ويمكن العمل لإعادة الثقافة إلى نقائها بحسن الاختيار للشخصيات التي تتولى الشأن الثقافي والتشدد أكثر في النشر لكلّ منتج يمكن أن نسميه إبداعاً.
         

             

العدد 1154 –  8-8-2023    

آخر الأخبار
أنور قرقاش: المحور الاقتصادي كان في صلب لقاء الرئيس الشرع والشيخ محمد بن زايد اتفاق سوري-أردني على توزيع عادل لمياه حوض اليرموك مشاركون بـ"سيربترو 2025" لـ"الثورة": تطوير العمل بالتقنيات الحديثة لمواجهة التحديات تضامن عربي ودولي مع سوريا لمواجهة كارثة الحرائق ترميم مركز صور الصحي في درعا بصرى الشام تنفذ حملة نظافة ومطالب بتحسين الواقع الخدمي حملة نقابة صيادلة طرطوس لمحاربة دخلاء المهنة (المتصيدلين) "تجارة وصناعة اللاذقية".. تقدم الدعم للمتضررين من الحرائق سوريا تُعلن فريقها الوطني لأولمبياد الذكاء الاصطناعي نحو 16 ألف لوحة جديدة للسيارات في نقل ديرالزور حملة تلقيح اصطناعي للأبقار في ريف دير الزور حرائق اللاذقية الأكبر على مستوى سوريا... والرياح تزيد من صعوبة المواجهة تحذير من خطر الحيوانات البرية الهاربة من النيران في ريف اللاذقية مدير المنطقة الشمالية باللاذقية: الحرائق أتت على أكثر من 10 آلاف هكتار عودة جهاز الطبقي المحوري إلى الخدمة بمستشفى حمص الوطني الشيباني يبحث مع وفد أوروبي تداعيات الحرائق في سوريا وقضايا أخرى تعزيز دور  الإشراف الهندسي في المدينة الصناعية بحسياء وحدة الأوفياء.. مشهد تلاحم السوريين في وجه النار والضرر وزير الصحة يتفقد المشفى  الوطني بطرطوس : بوصلتنا  صحة المواطن  الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بريف دمشق  تعقد أولى اجتماعاتها