محمد شريف جيوسي ـ كاتب أردني :
تَبني الدول والأمم والشعوب والجماعات السوّية ذاتها وتتقدم على أساس راسخ من الإنتاج المضطرد في الزراعة والصناعة والتجارة والأمن، والاستثمار في العلم والتعلم والحرف والتنمية والتقنية وفي الثقافة والإعلام، وكل ما هو إيجابي، وتقيم هذه الدول والأمم والشعوب والجماعات، أطيب العلاقات مع الآخرين ممن يماثلهم وتتلاقى مصالحهم ورؤاهم، فيتعزز الأمن والسلم الدولي ويعم الاستقرار العالمي المعمورة.
لكن الغرب الأوروبي ومعه مجموعة الدول الـ” 7 الكبار” وحلف النيتو والصهيونية العالمية، وكيانات تابعة، تحرص بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على بناء تقدمها على حساب سرقة الدول والأمم والشعوب الأخرى؛ ثرواتها وتدمير استقرارها واستغلال عقولها، ونهب ما لديها من علوم وآثار.
كما يحرص الغرب أيضاً بقيادة واشنطن على خلق الفتن وحصار من هو خارج نفوذه، وفرض العقوبات عليه، وتشويهه ـ تارة بفرض سلوكيات ومفاهيم وممارسات ساقطة (كالمثلية وغيرها)، مما “يصلح “في المجتمعات الغربية!ّ وتارة بدعاوى خرق حقوق الإنسان والطفل والمرأة، فيما هم الأكثر خرقاً لها؛ محلياً وخارجياً، وهي الخروقات التي لم تعد وسائل الإعلام قادرة على سترها.
بل لا يتورع الغرب حتى عن استعباد شعوب دول تابعة له وتخليق الجماعات الإرهابية والثورات المضادة والملونة والانقلابات واعتماد الكذب والأباطيل لإسقاط الدول (كحالتي أفغانستان والعراق) واستخدام المعايير المزدوجة وشن الحروب الظالمة تكراراً، ودفع الدول المتجاورة للاقتتال دفاعاً عن مصالحه، ودعم الجماعات والممارسات والسياسات المعادية لشعوبها، وكذلك برامج ما يسمى التصحيح الاقتصادي لإعاقة تطور من لا مصلحة للغرب في تطوره، وتالياً إغراقه بالتبعية الاقتصادية ورهن قراره السياسي.
وعلى صعيد منطقتنا العربية وبخاصة في العراق وسورية، وبعد مضي 20 سنة على احتلال العراق وارتكابات أمريكا وبريطانيا (ومن يتبع) من مخاز فيه ومآس وويلات ـ تتنكر واشنطن لالتزاماتها بالخروج منه، تحت ضغط مقاومة وطنية عراقية أسفرت في حينه عن مقتل آلاف الأمريكيين، ما أدى لرفض الِشارع الأمريكي الاستمرار في الحرب، لكن واشنطن تعمل الآن على تقسيم العراق إلى 3 دول، وبالتأكيد ستُخلّق دولاً متعادية؛ إن استطاعت.
أما في سورية، فتعمل الولايات المتحدة وتحالفها الدولي، الآن لتعكير الأوضاع في جنوب شرق سورية مستغلة قاعدتي التنف والركبان المحادّتين للأردن والعراق، وكذلك في شمال شرقها مستخدمة أداتها؛ مليشيا قسد الانفصالية، وفي محافظة إدلب عبر عصابات إرهابية تابعة لتركيا، بهدف تقسيم سورية عبثاً إلى كيانات هزيلة.
ومن الواضح أن أمريكا وحليفاتها الغربيات “النيتويات”، يُردن من وراء إعادة تسعير الحرب والصراعات وتقسيم المنطقة مجدداً، تحقيق ما لم يحققه احتلال العراق؛ حيث وصلت إلى الحكم منذ شهور؛ حكومة وطنية برئاسة السوداني تقاربت مع سورية، وهو ما لا يسر بحال التحالف الأمريكي ولا إسرائيل، كما يعيد إلى الأذهان إمكانية تحقيق طريق آمن من طهران إلى المتوسط إلى فلسطين.
ومن جهة أخرى فإن واشنطن وعواصم الغرب الرئيسة لندن وباريس وبون منشغلة بتداعيات الفشل الذريع في أوكرانيا، ومن تمدد روسيا والصين، وبريكس بعامة، التي سيدفن نتيجتها الدولار الأمريكي، حيث تم الاتفاق على إصدار عملة عالمية بديلة، فضلاً عن تنامي أزمات الغرب الداخلية وانقساماته، بما في ذلك تل أبيب، حيث تعيش أزمات عميقة، بالتزامن مع عودة المقاومة الفلسطينية، كحالة عامة ضد الاحتلال وليس مجرد طفرات طارئة.
إذ ذاك، تريد أمريكا، إشغال روسيا بالمنطقة، بأمل تأجيل انهيار النظام الأوكراني، وفي آن عدم تمكين سورية من تحقيق أهداف العمليات السورية الروسية الجارية في مناطق عدة؛ ضد بقايا العصابات الإرهابية في تدمر والبادية ومع الحدود العراقية وفي مناطق خفض التصعيد.
لكن من الواضح أن الضغوط على روسيا والصين وبريكس وعلى إيران وسورية وكوريا الديمقراطية والجزائر وفنزويلا وكوبا والنيجر.. وغيرها، لا ولن تُجدِ فتيلاً، وأن قرارات التحالف الغربي الأمريكي النيتوي الارتجالية المتوترة والمتواترة في غبائها ومعهم (كبارهم) الـ 7، لن تجدهم نفعاً، بل ستورطهم أكثر، وفي ( أحسن ) الأحوال، ستأخذهم والبشرية إلى حروب جديدة نتيجتها دمار للعالم ولكن ستقود حتماً إلى التحرر من دولارهم الأسود ومن استعمارهم ونهبهم للعالم.
وعليه بات عليهم أن يستيقظوا ويقبلوا بأقل الخسائر؛ بالنزول عن عرش القطبية الأحادية ومشاركة من يستحقها، وصولاً إلى عالم متعدد الأقطاب أكثر أمناً وعدلاً وتنمية واستقراراً، فقد تغيرت الدنيا كثيراً؛ ولم تعد دنياهم كما كانت، وآن للعالم أن يتحرر من سطوتهم وجبروتهم.