لم يكن من السهل على الكثير من الأهالي والأسر أن يصلوا إلى هذا اليوم ( الثالث من أيلول ) حيث ستفتح المدارس أبوابها لعام دراسي جديد، لتضع نحو نصف مليون أسرة سورية في مواجهة حتمية مع الأمر الواقع الذي لا مناص منه، من خلال دفع تلك الأسر بنحو ثلاثة ملايين وسبعمئة تلميذ وطالب من أبنائها إلى المدارس، وهذا يعني أن أغلب هذه الأسر ستكون تحت وطأة عبء مالي شديد يزلزل أركان حياتها ومعيشتها بفعل التكاليف الباهظة – قياساً بوسطي الدخل – التي ستتحملها تلك العائلات من أجل تأمين الاحتياجات المدرسية لأبنائها من لباس وقرطاسية وكتب .. وما إلى ذلك.
إنها مشكلة حقيقية ومعقّدة، فالراتب الشهري كاملاً وبعد الزيادة الأخيرة لن يكون قادراً على تغطية أكثر من شراء حقيبة ودفترين لولدٍ واحد، فكيف لمن عنده ولدان أو ثلاثة .. وربما أكثر، فما العمل لتأمين بقية الدفاتر والأقلام والكتب واللباس أيضاً .. ومختلف الاحتياجات المدرسية ..؟!
أمام هذا الواقع المحرج إلى حدود الألم، والذي راح يُكهربُ بيوت الناس ويفسد عليهم حياتهم كلما اقتربوا يوماً من ساعة الافتتاح المرتقبة لمدارس أبنائهم، بدأت تلوح في الأفق انفراجات طيبة تكبح جماح ذلك الزلزال المالي المنتظر، فَتُوقِفه تارة، ويُمرّر على شكل هزات ارتدادية مقدور عليها تارة أخرى عبر ما شهدناه من هبّة رائعة رسمت مشهداً أهلياً وحكومياً من التكاتف والتعاضد بما يكفل التصدي لهذا الواقع الصعب وتجاوزه بسلام وبأقل الخسائر.
كان مشهداً مريحاً للنفوس ومهدّئاً للخواطر عندما بدأنا نرى تلك الفعاليات التي انطلقت في جميع المحافظات السورية لتقديم مجمل المستلزمات المدرسية بأسعار مخفّضة تارة، وفي بعض الحالات مجاناً تارة أخرى.
عند افتتاح مهرجان ( العودة إلى المدارس ) في مجمع الأمويين في دمشق منذ أيام، اختصر وزير التجارة الداخلية أهداف هذا المهرجان الذي افتتحه عندما حدد توصيفه بالتعاضد والتعاون بين مختلف الجهات الحكومية والمجتمع الأهلي وكل الفئات الاقتصادية والاجتماعية وأطياف الشعب السوري، لنكون يداً واحدةً منتجةً، وللتشارك من أجل الوصول إلى الأفضل وفق الإمكانيات وتجاوز الصعاب والمعوقات.
وبالفعل فقد تمكنت هذه الحالة التعاونية التي انتشرت في أرجاء البلاد وتهافتت للمساهمة فيها غرف التجارة والصناعة، والمؤسسة السورية للتجارة، والكثير من الشركات المنتجة، تمكنت من التصدي والتخفيف بما أمكن عن كاهل الأسر التي أقبلت بكثافة على شراء المستلزمات المدرسية، وقد عمدت وزارة التربية على محاكاة هذا الواقع الصعب أيضاً بأن طلبت عدم التشدد باللباس المدرسي والتخفيف من القرطاسية اللازمة للطلاب والاكتفاء بما هو ضروري قدر الإمكان، واعتبرت أن هذا الإجراء يأتي نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وحرصاً على تخفيف العبء المالي عن الأهالي، ولضمان حسن سير العملية التعليمية التربوية بالشكل الأمثل.
وعلى بركة الله تجاوزنا اليوم هذه المعضلة من جوانب عديدة بمكابح هذه المبادرات الإنسانية التي امتاز بها شعبنا الأبي عند المحن ليتجه الطلاب إلى مدارسهم يتابعون طريقهم نحو مستقبل مشرق رغماً عن تلك الوحوش التي تحاصرنا من كل جانب لنقول لها من جديد بأننا كنّا وسنبقى الشعب الذي لا ينحني.