الملحق الثقافي- خالد حاج عثمان:
في خضم وزيادة الإنتاجات والإصدارات الأدبية زمن الكتاب الالكتروني ومنصّات التواصل الاجتماعي ومنتدياته وصفحاته ومجموعاته وانفلات الحبل وتحول البوصلة الكتابية عن جادة الصواب في الكثير من النتاجات والمنشورات والمطبوعات الأدبية: الشعرية والنثرية…
في معمعة وخضم هذا البحر تبرز بعض الاستثناءات الإبداعية متجلية على رفوف مكتباتنا تحمل بين تضاعيف دفتي غلافيها نصوصاً في الموسيقا هي أقرب للنثر وفي مجال المعاني والصور والخيال واللغة هي النص الشعري بامتياز..
هناك على الشاطىء اللازوردي بطرطوس كتبت نصوصها..
رصعتها بأحجار وتعاويذ بحر وجزيرة ارادوس..ارواد..لونتها بخضرة وزرقة قاعه…جمعتها في كتاب عنونته ب» خطوات في المدى « ومنذ مصافحة عيوننا للغلاف الجميل ..يطالعنا عنوان فرعي « قصائد نثرية « ولوحة فنية رائعة لفتاة كأنما ترقص في حلبة المدى..
نعم هكذا أرادت الأديبة» أميرة ابراهيم « أن توضح للقارى أن مايضمه الكتاب هو نصوص نثرية…حتى لايأخذه فكره بعيداً ويقيم عليها حدّ القصيدة العمودية الخليلية الفراهيدية.
– في عناوين المجموعة
– مضامين المجموعة
ثمانية وسبعون عنواناً..بثمانية وسبعين نصاً نثرياً يتراوح مابين الومضة والنص الطويل يجمعها كتاب صدر عن دار كيوان في طبعته الأنيقة للعام 2018م ..
كمثل مويجات البحر وهي تراود شاطىء طرطوس عن زرقته وملوحته وزركشة أحجاره حصاه وأصدافه ..عبر دفتر من رمال الذهب مشتملاً جواهر ولآلىء القاع..كذلك تخرج القصائد من رحم ذات الشاعرة أميرة ابراهيم تفردها على مدى كتابها..» خطوات في المدى « تراكض المدى ..تسابق المكان تنطلق من إساره تتحرر من ربقته…وقد أدمنت الفن..الحضور إبداعاً..حرفاً وصوتاً:
قد ندمن حضوراً/ .. ..حرفاً.. / صوتاً../
ولكن! ماالسبيل لمن أدمن نبضاً؟ /
بهذا النص وبعد الإهداء» لمن أجاد احتواءها»
دون أن تذكره صراحة…تبدأ فرش نصوصها على ضفاف الشوق..والنبض…
المواعيد واللقاءات وهوس الشوق للأحبة والراحلين والمتغربين والذات العاشقة والمستهامة..والوجد يشكّل أغلب النصوص..وقراءة العناوين تشي بما قلناه..فنقرأ:
بعضها..النبض شارة البدء.ذكرى لقاء. آه أو تدري .ثوب البوح .رغبة .انانية.صمت. نغم خاص جداً. وجع. رحلة عشق.قناديل.همسات .نبض اللقاء.انثى العنفوان. انثى الكبرياء. طيور الشوق. هذه ليلتي. مدى ملؤه البوح.اعترف بحبك. وهم هي السعادة. عاشقة. قصيدتي. صمتي من نار.ايقاع. سفر الماضي…وعشرات العناوين التي تشي بفضاء نصوص المجموعة حيث الذات الإنسانية المبدعة..والوجدان..والرومانسية المتماهية مع النفس البشرية لشخوص النصوص وأبطالها..
فالقصائد تمتح من معين ثر هو ذات الشاعرة..هذه الذات التي جبلت على الحب والاحتواء والحنان والعشق والحنين واستحضار ذوات المتغربين الراحلين أو الحاضرين الغائبين في إشارة إلى وجع المحب واستكناه مشاعره فيمن ينتظر ليلتقيه وربما يعود أولا يعود..لتنطلق بعد ذلك الذات الشعرية للأديبة أميرة ابراهيم وهي تتحدث بلسان الأنثى حيث تفرد لها العديد من العناوين والصفحات تقول في نص «أنثى الكبرياء «:
أنا منذ البدء/ أنثى الكروم/ كأني مذ عرفتك/ ثملة../ فالاشارة واضحة إلى حضور الأنثى..الأنثى العنفوان:
دع صمت الكبرياء/ أعلنها ثورة على قلبي/ فالشاعرة لاترضى للأنثى ان تكون ضلعاً قاصراً او انسانة خانعة..فهي رمز الحب والحنان والأمومة والوفاء والشوق المبرح للقاء بعد الانتظار الممض للحبيب العائد من غيابات الغربة ..يؤرقها الترقب فلا يجد النوم إلى عينيها طريقاً:
سر بي من أول الحبّ/حتى جنوني في راحتيك/ ارقبها كأجراس عيد/ تنشرالفرح في قلبي../
الشاعرة» ابراهيم» شاعرة وجد رقيقة وهي في أغلب نصوصها الحبيبة العاشقة أو التي تكتب عن حالات العشق والهيام والمواعيد وحلو اللقاءات..وهي في نصوصها متفزلة او متغزل بها..لكن ليس ذلك الغزل الخادش للحياء بل هو الغزل الرقيق والنبيل والعذري…
إذ لاحضور لجسد الأنثى أو وصف تفاصيله المغناج في المجموعة…ولم تتعمد الشاعرة ذلك بل جاء ذلك عفو الخاطر…اذ هي تكتب بلسان المرأة الناضجة في علاقتها مع الرجل دون الاقتراب من من الخصائص الجسدية لكل منهما …هي في شغل شاغل عن هذا توصيف نبل هذه العلاقة ومايعتريها أحياناً من فتور أو نفور..تقول في نص « خطوات في المدى « والذي سمي الديوان بها:
أمشي لأجفف المدى/ بخطواتي/أبقى معه أسامره/يلملم أحلامي. ./
إن المتتبع للعناوين النصية للمجموعة سيجد أنها تمتح من معين واحد…ومن معجم لغوي ذاتي أثيري..
ولو أنا وضعنا هذه العناوين إلى جانب بعضها في جمل وتراكيب واسطر لحصلنا على ملحمة ذاتية وجدانية بامتياز…
لكن لايعني أن المجموعة خلت من بعض المضامين الأخرى..
إذأن هناك النصوص الوطنية والقومية والمجتمعية وهي على قلتها إلا أنها تؤشر إلى تماهي الشاعرة مع قضايا الوطن والأمة والمجتمع العربي ..تقول في نص « الوطن الحزين «:
وطني إليك اكتب/ حزني الغافي/حرفي الحزين/ وطني يسكن داخلي/ يحتل حياتي../
وعلى هذا المنوال تسير المجموعة في مداها…
الأسلوب..
لايخفى تأثر الشاعرة برواد ومبدعي الرومانسية وقصيدة النثر..وهي في نصوص عديدة تتلمس تجربة نزار قباني لكن ليس في غزله الصارخ والصريح بل بسهولة التراكيب واللغة والصور الشعرية البسيطة المدهشة..
كما أنها تتلمس تجربة الشاعر العراقي معروف الرصافي ،لاسيما حين تتحدث هنا عن المرأة المرضع..في قصيدتها « على الأرصفة»
وهي لاتبتعد عن الإطار اللغوي الحقيقي والمجازي في استخدام المفردات وتوظيفها ضمن الفنون …من بيان وبلاغة وبديع وأناقة لغة تمتلك ناصية النحو والصرف..
تقول في الإهداء:
هذي خطاي ترشح شغفاً / فهات الطريق/ ازرع فيه أقمار اللقاء/ لنبدأ بحكاية تسردها النجوم/ إليك يامن تجيد احتوائي../
العدد 1159 – 12-9-2023