الملحق الثقافي-رنا بدري سلوم:
لا تحملوا الرايّة ستاراً، فسبق أن أثخننا التاريخ بالدماء، لو كنت زرقاء اليمامة لصرخت في وجه الزيف، كي يقف على عتبات الزمن، عند من مرّوا ولا يزالون قابضين على الجمر، ليتني أملك قوة البصيرة، كعرّافة مقدّسة، انبئ من حولي، أصرخ في وجه الموت، أسكت هذا الظمأ للدماء والنهايات، وجشع سكان الغابة للبقاء، وحدهم الشعراء الحالمون يتتبعون حاستهم السابعة للخلاص من قبحٍ بشري، يرمون حنطة شعرهم ويمضون آمنين، ولعل الشاعر»أمل دنقل» من هؤلاء الباكين على خذلاننا معترفاً لزرقاء اليمامة وسائلاً إياها الكلام ..تكلمي أيّتها النبيّة المقدّسة، تكلمي .. تكلمي، فها أنا على التراب سائلٌ دمي وهو ظمئُ .. يطلب المزيدا، أسائل الصمتَ الذي يخنقني: «ما للجمال مشيُها وئيدا؟! « أجندلاً يحملن أم حديدا ؟!» فمن تُرى يصدُقْني ؟ أسائل الركَّع والسجودا أيتها العَّرافة المقدسة، ماذا تفيد الكلمات البائسة ؟ قلتِ لهم ما قلتِ عن قوافل الغبارْ فاتهموا عينيكِ، يا زرقاء، بالبوار ! قلتِ لهم ما قلتِ عن مسيرة الأشجار فاستضحكوا من وهمكِ الثرثار ! وحين فُوجئوا بحدِّ السيف: قايضوا بنا والتمسوا النجاةَ والفرار ! ونحن جرحى القلبِ جرحى الروحِ والفم لم يبق إلا الموتُ والحطامُ والدمارْ، وصبيةٌ مشرّدون يعبرون آخرَ الأنهار ونسوةٌ يسقن في سلاسل الأسر وفي ثياب العار مطأطئات الرأس.. لا يملكن إلا الصرخات الناعسة ! ها أنت يا زرقاء وحيدةٌ عمياءْ! وما تزال أغنياتُ الحبِّ والأضواءْ والعرباتُ الفارهاتُ والأزياءْ! فأين أخفي وجهيَ المُشَوَّها كي لا أعكِّر الصفاء الأبله المموَّها في أعين الرجال والنساءْ !؟ وأنت يا زرقاء وحيدة عمياء !
العدد 1159 – 12-9-2023