الملحق الثقافي:
تستمر الاحتفالات بمئوية الشاعر الكبير رسول حمزاتوف وبهذه المناسبة صدرت دراسات كثيرة وكتب وترجمات عن الشاعر وأعماله التي لم تترجم سابقاً إلى العربية.
ومن الجميل أن يكتب الدبلوماسي عن الشاعر الذي هو سياسي اللغة ومروضها وباعث أسرارها وصاقل جوهرها والدبلوماسي أيضا ينسج حنكته من اللغة وباللغة التي تروض ما استعصى على الترويض ..
فكيف يرى الدبلوماسي الشاعر الذي كان سفير وطنه إلى العالم ..
رسول حمزاتوف رسول الجمال والكلمة والإبداع..
كيف يراه الدبلوماسي المتألق الدكتور بشار الجعفري؟
في الكتاب المهم الذي أصدره اتحاد الكتاب العرب بدمشق تحت عنوان قلبي في الجبال وهو من إعداد وترجمة الدكتور إبراهيم استنبولي..
يكتب الجعفري مقدمة مهمة تضيء على حياة الشاعر حمزاتوف يقول الجعفري:
(أجمل الأساطير والخرافات يتردد صداها في ذاكرة الجبال التي تسكن قممها النسور وها هي ثنائية الجبل والنسر تقودنا إلى (النسر الجبلي) وهو اللقب الذي أطلق على بروميثيوس القرن العشرين الذي سكنت روحه جبال القوقاز في داغستان حيث اكتوى بنيران عشقه لأرضها وناسها وتاريخها عشق صوفي يحاكي في بعض جوانبه روحانيات المبدعين محيي الدين العربي وجلال الدين الرومي إنه الشاعر الروسي الداغستاني رسول حمزاتوف أيها السادة.
وهل هناك ما هو أجمل وأرق وأصدق من تواضع العارف؟؟؟؟
لنقرأ معاً ما قاله رسول حمزاتوف قبيل وفاته:ان حياتي هي بمثابة مسودة كنت أتمنى لو أنه لدي الوقت لكي أقوم بتصحيحها.
وكما يقول المثل العربي البليغ:لكل من اسمه نصيب فإن رسول حمزاتوف هو خير تعبير عن مدى دقة هذا المثل إذ إن اسمه الأول (رسول) لازمه في رسالته الإنسانية ورافقه في مسيرة حياته عندما مثل فعلاً رسول الشعر الداغستاني إلى العالم موصلاً هذا الشعر الذي يتغنى بأبجدية جبال داغستان إلى قلوب وعقول أقرانه في زوايا الأرض الأربع، وقد أصر حمزاتوف على عالمية أدبه مؤكداً عدم إضفاء هوية محددة اللون على ما يكتب متجاوزاً بذلك حدود القوالب التصنيفية الضيقة مثل الأدب الكلاسيكي أو الرمزي أو التعبيري أو الرومانسي كما أنه كان منفتحاً على أنغام غيره من شعراء العالم من غائبين أو حاضرين فجمعته صداقات متينة مع الأدباء العرب مثل (عبد الرحمن الخميسي محمد مهدي الجواهري عبد الوهاب البياتي عادل الجبوري ضياء نافع ضياء حافظ محمود درويش معين بسيسو أيمن أبو شعر علي عقلة عرسان ازراج عمر) وغيرهم كما كان يقدر عالياً شعراء إيران المشهورين مثل عمر الخيام الذي زار ضريحه في نيسابور وحافظ شيرازي وسعد شيرازي وروداكي.
كما جمعته أواصر متينة مع الأديبين التركيين ناظم حكمت وعزيز نيسين ولم ينس بالطبع عباقرة الشعر في بلاده ممن أوحوا إليه لمسة تقدير الإنسان وتبجيله وعشق الطبيعة مثل أسلافه الذين سبقوه أبو طالب وحمزة تساداسا وسليمان ستالسكي.
وفي قراءاته الأدبية الشعرية كلها كانت ظلال سرديات عظماء الأدب الروسي مثل تولستوي دستويفسكي تشيخوف غوغول وشولوخوف تتراءى أمامه في اليقظة وفي المنام.)
ولد رسول حمزاتوف سنة ١٩٢٣ في (تسادا) وهي قرية من قرى داغستان الرابضة في أحضان جبال القوقاز وتوفي سنة ٢٠٠٣ وخلال عمره المديد هذا كتب أكثر من مئة كتاب في الشعر والنثر، ويكاد المرء أن يجد قواسم مشتركة بين رسول حمزاتوف وشاعرنا الكبير نزار قباني من حيث عشق كليهما لقيم الجمال والحب والمرأة والوطن معاً. ومن المفارقات العجيبة أن كلا الشاعرين اختار العنوان نفسه لديوانين شعريين من نظمهما فنزار قباني أسمى ديوانه (قالت لي السمراء) ورسول حمزاتوف اختار عنواناً لأحد دواوينه(السمراء).
كما يتقاطع الشاعران في مزج حب الوطن مع حب المرأة والجمال إذ نرى أن مجموعة من أشعار رسول حمزاتوف قد حملت عنواناً هو(دستور الحب) في حين اختار نزار لدواوينه عناوين مثل ديوان (كل عام وأنت حبيبتي) و(كتاب الجيب) وديوان (رسالة حب).
العدد 1160 – 19-9-2023