الثورة – خاص- بقلم: سفير الصين في دمشق
لا شك أن يوم 22 سبتمبر 2023 يوم تاريخي للعلاقات الصينية السورية، حيث عقد الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس السوري بشار الأسد اجتماعًا ودياً في مدينة هانغتشو وأعلنا بشكل مشترك عن إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين وسورية، والأمر الذي يساهم في التصميم والتخطيط الاستراتيجي على أعلى مستوى للتبادلات والتعاون بين البلدين في مختلف المجالات إضافة إلى تعزيز الصداقة التقليدية الصينية السورية بشكل غير مسبوق، ومن المؤكد أنه سيفيد البلدين وشعبيهما.
تعد الصين وسورية بلدين حضاريين عريقين، ويعود التبادل بين شعبي البلدين إلى زمن قديم، حيث يربطهما طريق الحرير القديم بشكل وثيق، وقبل 67 عاما كانت سورية من أوائل الدول العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين، وفتحت صفحة جديدة للصداقة الصينية السورية. ورغم التغيرات الكبيرة في الأوضاع الدولية والإقليمية، ظلت الصين وسورية تتبادلان التفاهم والدعم، الأمر الذي جعل من صداقتهما غير العادية نموذجا للعلاقات الودية بين الدول ذات الحضارات والنُظم المختلفة.
لاتزال الصين وسورية تعملان على تعزيز صداقتهما ويتبادل البلدان الوفاء والإخلاص. ففي السنوات الأخيرة، حافظ الرئيس شي جينبينغ والرئيس بشار الأسد على التواصل الوثيق، وأقاما صداقة شخصية عميقة، ودفعا بالعلاقات بين البلدين للمضي قدماً. إن الجانب الصيني يدعم بثبات الجهود السورية للحفاظ على استقلال البلاد وسيادتها وسلامة أراضيها، ويدعم الشعب السوري للمضي في طريق التنمية بما يتماشى مع الظروف الوطنية، كما يدعم الجانب الصيني السياسات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية في سبيل الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها وتنميتها، ويرفض قيام القوى الخارجية بالتدخل في الشؤون الداخلية السورية والمساس بأمنها واستقرارها، ويرفض الوجود العسكري غير الشرعي في سورية أو القيام بعمليات عسكرية غير شرعية فيها، أو نهب ثرواتها الطبيعية بطرق غير شرعية، كذلك يدعو الدول المعنية إلى الرفع الفوري لكافة العقوبات الأحادية الجانب وغير الشرعية عن سورية. ويظل الجانب السوري يقف إلى الجانب الصيني في القضايا المتعلقة بتايوان والتبت وهونغ كونغ وبحر جنوب الصين، ويشارك بشكل إيجابي في مبادرة الأمن العالمي ومبادرة التنمية العالمية ومبادرة الحضارة العالمية.
يسعى البلدان إلى التنمية عن طريق التعاون والمنفعة المتبادلة، وتعد الصين ثاني أكبر مصدر للاستيراد التجاري في سورية، ورغم التأثير الخطير الناتج عن العقوبات الأحادية الجانب وغير الشرعية على سورية والتي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية، حقق التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين نتائج مثمرة في السنوات الأخيرة بفضل الجهود المشتركة للجانبين، وعلى وجه الخصوص، وقعت الصين وسورية مذكرة تفاهم للتعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق” في مطلع العام الماضي وانضمت سورية إلى أسرة “الحزام والطريق”، الأمر الذي سيوفر المزيد من الفرص للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وسورية. ومنذ اندلاع الأزمة السورية، مدّت الصين يد العون لسورية على الفور، حيث قدمت كمية كبيرة من المساعدات بما فيها مواد غذائية وباصات ولقاحات ومعدات طبية وغيرها، ودرّبت عددا كبيرا من الكوادر السورية في مختلف المجالات. وبعد الزلزال المدمر الذي ضرب سورية في شباط الماضي، قدم الجانب الصيني للمناطق المنكوبة ومنذ اللحظة الأولى، الملابس والخيم والأدوية والأغذية والوحدات السكنية مسبق الصنع وغيرها من مواد الإنقاذ العاجل، كما نظمت القطاعات الصينية والصينيون المقيمون في سورية أنشطة تبرع للمناطق المنكوبة. على طريق إعادة بناء المنازل في المناطق المتضررة، وسيظل الجانب الصيني يقف إلى جانب سورية، وسيقدم كل ما في وسعه من المساعدات له حسب احتياجاته.
يقدر الجانبان بعضهما البعض بما يعزز تواصلهما. حيث لم ينقطع أبدا التبادل بينهما على الصعيدين الشعبي والثقافي، وانتهز الجانبان مزاياهما كدول تملك حضارات قديمة، ليظهرا ما لديهما من جمال حضاري بما يعمق التبادل الثقافي والحضاري ويدفع به للاستمرار. إن سورية باعتبارها بلدا في منطقة النهرين والتي تعد مهدا للحضارة البشرية و”مفترق طرق الحضارات”، كانت من البلدان التي أبدت المجموعات الفنية الصينية رغبة في زيارتها لتقديم العروض فيها، كما كانت أفضل دولة للدراسة في الخارج بالنسبة للطلاب الصينيين الذين تعلموا اللغة العربية. ظلت الصين تعمل بشكل إيجابي على تعزيز التبادلات والتعاون بين البلدين في مجال التعليم والتربية، حيث يتوجه كل عام عدد كبير من الطلاب السوريين إلى الصين للدراسة من أجل درجتي البكالوريوس والماجستير. في عام 2022، أقيم معرض “لقاء بلاد ما بين النهرين والآثار الثقافية السورية القديمة” في عدة مدن صينية، وعرض 193 قطعة أثرية سورية نالت الثناء من قبل الزوار الصينيين. شاركت سورية بشكل إيجابي في مؤتمر تحالف حماية التراث الثقافي الآسيوي الذي عقد في الصين هذا العام، وتواصل الجانبان بشأن دعم إعادة بناء التراث الثقافي السوري بعد الزلزال.
“إن كان لدى الإخوة نفس العقل، فتستطيع وحدتهم أن تخترق المعدن”. وباعتبار سورية هي أخ وشريك جيدًا، فإن الصين مستعدة لانتهاز هذه الفرصة كنقطة انطلاق جديدة لتنفيذ التوافق المهم الذي توصل إليه قادة البلدين، وتقاسم تجربة التحديث الصيني النمط مع سورية، وتعميق التعاون بين البلدين في مجالات الاقتصاد والتجارة والزراعة والصحة وبناء البنية التحتية والثقافة والتعليم والتربية وغيرها، بما يحول الإرادة المشتركة لكلا الطرفين إلى خطة عملية.
وأثق بأنه تحت الرعاية المشتركة والتوجيه الاستراتيجي للرئيس شي جينبينغ والرئيس بشار الأسد، ستواصل الصداقة العميقة بين الصين وسورية كتابة فصل جديد في الفترة التاريخية الجديدة، وسترتقي العلاقات الثنائية إلى مستويات جديدة باستمرار، بما يساهم أكثر في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي وحتى العالمي وتدعيم التضامن والتعاون بين الدول النامية.