الثورة – ترجمة محمود اللحام:
الترحيب الكبير الذي قدمه القادة الصينيون، وفي مقدمتهم شي جين بينغ، للرئيس بشار الأسد، الذي رافقته زوجته ووفد مهيب، ترك انطباعاً قوياً برمزيته في هذه الدولة حيث التاريخ ليس كلمة فارغة، أردنا ألا نترك أي مجال للشك فيما يتعلق بالأهمية السياسية والاستراتيجية والجيوسياسية التي نعلقها على بلد ذي حضارة قديمة سيكون دوره حاسماً في المواجهة التي لا ترحم بين الكتلة الأوراسية. قيادة الجنوب العالمي من جهة، والمعسكر الأمريكي- الناتو الذي يجسد الغرب الجماعي من جهة أخرى. وقد وجه هذا التكريم لرئيس الدولة الذي لم يفشل أبداً في الاضطرابات.
سوف يستغرق الغربيون من معسكر الخير، ومن الديمقراطيات الكبرى، وما إلى ذلك، بعض الوقت للتغلب على هذه المشكلة: هذا الاجتماع بين الرئيسين شي جين بينغ والأسد، أذهلهم، سواء أحبوا ذلك أم لا.
لقد تم استخدام عبارات في البيان المشترك والتصريحات الصادرة عن الجانبين والتي تزيل الأمل في القدرة على استبعاد وجود أو مجرد احتمال بسيط لعلاقات لاحقة بين البلدين: على سبيل المثال، الإعلان عن إنشاء «الشراكة الاستراتيجية» بين الصين وسورية .
وفي مواجهة الوضع الدولي المليء بعدم الاستقرار وعدم اليقين، فإن الصين مستعدة لمواصلة العمل مع سورية لدعم بعضهما البعض وتعزيز التعاون الودي والتمسك المشترك بالعدالة والإنصاف الدوليين. وهو ما يرد عليه الأسد بشكر شي والحكومة الصينية على كل ما فعلوه للوقوف إلى جانب الشعب السوري في قضيته، وبالتأكيد على أهمية الزيارة في ظل السياق والظروف خاصة في ظل عالم متعدد الأقطاب الذي يتشكل اليوم، وهو ما سيعيد التوازن والاستقرار الدولي.
وأكد البيان المشترك أن “الجانب الصيني سيواصل تقديم كل المساعدات الممكنة لسورية ودعم جهود إعادة الإعمار والتعافي فيها”، ويؤكد من جديد مبدأ السيادة السورية ويشدد على ضرورة إعادة الإعمار، ويطالب بإنهاء العقوبات وجميع التدابير الاقتصادية والمالية القسرية غير القانونية والقاتلة التي تتعارض مع القانون الدولي، والتي تكاد تكون ذات طبيعة إبادة جماعية، وهو يؤكد بذلك أن السياسة الصينية هي عكس النهج الغربي المنافق والمميت.
في الأول من آب عام 1956، احتجت سورية، الغاضبة من الفريق الثلاثي الفرنسي الأنجلو إسرائيلي، بطريقتها الخاصة: فقد اعترفت بجمهورية الصين الشعبية، بعد شهرين من اعتراف جمال عبد الناصر بمصر، وكانت ثاني دولة عربية تفعل ذلك.
لذا وبحلول أواخر الستينيات، كانت سورية والصين قد أقامتا بالفعل علاقات عسكرية رفيعة المستوى، وزودت بكين دمشق بالأسلحة. وبعيداً عن تقلبات تاريخ الشرق الأوسط، والحرب الباردة، والنزاع السوفييتي الصيني، فإن التجارة الثنائية سوف تتطور تدريجياً. ومع ذلك، في عام 2010، أصبحت الصين المورد الرئيسي لسورية.
وللفت انتباه المحللين وضعفاء الدعاية الغربية، نؤكد أن الصين ساهمت بالفعل في كسر العزلة عن سورية، وأنها رفضت بشكل ثابت أي شكل من أشكال التدخل، وعارضت كل محاولات التدخل بشؤون الدولة السورية.
حكاية بسيطة ستظهر مدى استجابة الإمبراطورية السماوية للقضية السورية. في ربيع عام 2011، تحدث صحفي باريسي ذو علاقات جيدة مع دبلوماسي صيني مقيم في باريس حول تدخل الناتو ضد ليبيا، بناءً على سوء استخدام قرار مجلس الأمن رقم 1973، والذي أصبح ممكناً بسبب غياب حق النقض من جانب موسكو وبكين؛ وفي معرض إثارة محاوره حول موقف الصين المستقبلي في مواجهة المشروع الذي كان يلوح في الأفق بالفعل لتدخل مسلح جديد في سورية، وجه ردا لاذعا: “أنت تعتبرنا أغبياء، لن يكون هناك أبدا قرار على النمط الليبي لعام 1973″.. سوف نجعلهم ينفضون الغبار” ومن جانبه، ندد بوتين بـ”الحملة الصليبية الجديدة”.
وبعد مرور بعض الوقت، استخدم الفيتو الروسي الصيني، وهو الأول في سلسلة طويلة، وسيكون هناك بالفعل الكثير من حق النقض من جانب الصين، على الرغم من أنها استخدمت هذا الحق بشكل مقتصد للغاية، وهو الأمر الذي لم يعجبها أبدًا: منذ دخولها إلى مجلس الأمن، بقرار من الجمعية العامة في 25 تشرين الأول 1971، وتم تسجيل ثلاث مرات حق النقض فيما يتعلق بالشؤون الصينية (تاي وان أو هونج كونج)، مقابل اثني عشر أو ثلاثة عشر صوتوا بالتنسيق مع روسيا، من أجل منع الأمم المتحدة من القيام بأي عمل عسكري ضد سورية. وسوف نلاحظ حتى التعاون الإنساني، أو حتى المساعدات العسكرية السرية وغير الاستفزازية لواشنطن.
ستبقى العلاقات واثقة بين سورية والصين، وبعد انتصارها عسكرياً وسياسياً، تعاني سورية الآن من تأثير الحظر الغربي، والعقوبات المتعددة والمتنوعة من جانب الولايات المتحدة والأوروبيين، إلى جانب احتلال ونهب شمال شرق سورية.
ولكن ذلك كان من دون العوامل الجيوسياسية التي تحرك الخطوط وتغير قواعد اللعبة، وتدخل الصين بقوة على كافة الجبهات الدبلوماسية والصراعية في غرب آسيا والشرق الأوسط (أفغانستان، إيران، المملكة العربية السعودية، العراق، وتميل سورية ولبنان إلى مواجهة “محور” أميركا الذي تفضله النخب المشروطة في الغرب الجماعي، فضلاً عن الوجود الاقتصادي المتنامي للصينيين في أفريقيا.
وفي حين تعرض الصين بوضوح طموحاتها لاستعادة طرق الحرير القديمة من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، و”مشروع القرن” الذي يهدف إلى التوسع الموجه نحو الغرب، فقد قامت بتسريع الحركة نحو الشرق، نحو أوراسيا، مركز ثقل السياسة العالمية.
بين موسكو وبكين، تطورت شراكة وثيقة، الأمر الذي فتح الطريق أمام مسألة جديدة وقوية للنظام العالمي الذي فُرض منذ قرون.
إن الرغبة في إعادة البناء قوية بشكل خاص على طول هذا الحزام “الأخضر” الهائل الذي يتزامن مركزه مع الفضاء السوري على مفترق طرق الحضارات، مهد الرسالات السماوية الثلاث، يعود التدين إلى فجر التاريخ، ويتحد مع التاريخ إلى الأبد.
نقطة الاختلاط الوثيق بين الهويات والمعتقدات. لذلك ليس من المستغرب أن سورية هذه، حيث يسود هواء من الخارج بشكل دائم، قد وجدت الطريق إلى خلاصها إلى جانب روسيا الأبدية والصين (إمبراطورية السماء).
المصدر – موندياليزاسيون