لا يختلف اثنان على الدور المهم للمصارف في مراحل الكساد والتوقف الاقتصادي العام، وهي تجربة تشهد عليها اقتصادات كل الدول المتقدمة والنامية وحتى تلك التي نهضت لحقبة من الزمن وتراجعت بعدها محققة كمية هائلة من السيولة تجعلها قادرة على البدء بالتجربة الاقتصادية التي تراها مناسبة لمواردها وظروفها.
عندنا يبدو من الواضح أن ما من دور تؤديه المصارف في هذا الإطار، رغم السيولة الهائلة التي تتجاوز عشرة آلاف من مليارات الليرات السورية والقادرة على إحداث فارق حقيقي في المشهد الاقتصادي العام، فعملها يقتصر في أفضل حالاته على قرض معيشي أو قرض تجزئة لشراء نصف سلعة مديدة الوجود كالبراد والغسالة، على اعتبار المبلغ لم يعد يشتري حتى سلعة واحدة.
ما الفائدة من آلاف المليارات المكدسة في خزائن المصارف في وقت تتراجع فيه قيمتها بشكل دوري ومتواتر نتيجة ارتفاع سعر صرف القطع، في حين يمكن لها أن تلجم بتوظيفها صرف القطع وتعزز قيمة الليرة وتنهض بالاقتصاد الإنتاجي والخدمي!
أما عن أرباح بعضها فحدّث ولا حرج، ولعل أبرز مثال على العقلية المتراخية هو المصرف الذي يقتطع مؤونة لقروض مصنفة ضمن الخطر أو التعثر ولم يحتجها فيسجل المؤونة المقتطعة كربح في ميزانيته، والأمثلة كثيرة على عشرات النواحي التي تقف فيها المصارف متفرجة على ما هو من صميم عملها بدءاً من الصرافات وصولاً إلى السحب والإيداع.
كيف تدرس المصارف القروض الممنوحة من قبلها؟ بل إن كان ما يقوله المصرفيون في جلساتهم الخاصة من أن السلطات النقدية لا توافق على الزيادات المقترحة على القروض فكيف واجهت المصارف عدم الموافقة وهي من تتحمل المسؤولية نهاية؟! فالقرض – أي قرض كان – لم يعد قادراً على سداد ربع قيمة محل التمويل، ومع ذلك نرى التركيز على الفائدة والضمانات لتفوق القيمة الصورية بعدة أمثال في حين لم يكن المقترض ليلجأ إلى الاقتراض لو كان لديه ما يطلبه المصرف ضماناً لقرض لا يسمن ولا يغني من جوع.
لعل العقل والمنطق يقول بنقلة جذرية في العمل المصرفي، حتى يكون الرأي المطروح سديداً منطقياً وقادراً على مواجهة الظرف الطارئ المستمر، فالسنوات تمر أسبوعاً وراء آخر وقيمة العملة تتراجع بشكل صارخ ومخيف، والسيولة تتراجع قيمتها أسبوعياً وما من فائدة منها على الإطلاق اللهم إلا سداد قيم الفوائد على الإيداعات.