اقتصاد الحرب ليس شد عصبي وإيحاء بعمق الأزمات، وإطلاق العنان لنبوءات الشؤم وخلط أوراق الحاضر والمستقبل.
بل هو تحوط وإستراتيجيات بديلة وإعادة هندسة الموارد، خصوصاً في بلد زاخر بالموارد كبلدنا، لاسيما ما تجود به الطبيعة وميزات الجغرافيا..ويكفل الأمان الغذائي على الأقل بحدود الكفاية، وصدّ الأزمات المعيشية المتعلقة بيوميات المواطن.
هنا يمسي من البديهي العودة للقطاع الأهم وهو الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، التي طالما كانت قطاع الوفرة و عامل التوازن والاستقرار المعيشي..
من غير المقبول أن يكون مثل هذا القطاع مأزوم كما باقي القطاعات التي لفحتها الظروف القاهرة التي اعترت البلاد..وإن تأثر قليلاً يبقى ثمة ما يضمن الاستمرار ولو بحدود تحقيق حاجة الاستهلاك المحلي.
وما نعلمه أننا لم نضطر لاستيراد المنتجات الزراعية إلا لحدود ضيقة، بل على العكس مازلنا نصدّر كميات غير قليلة من الخضار والفاكهة والحبوب وسلسلة طويلة من المنتجات النباتية، وإن أردنا الحديث بصراحة وواقعية سنخرج بأرقام كبيرة لو استطاعت جهة ما إحصاء قيم مايجري تصديره تهريباً أي لطرق غير نظامية..
وقائع تنفي وتكذّب أي مزاعم تشير إلى أن قلّة الإنتاج هي سبب ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية الأساسية بالنسبة لتقاليد الاستهلاك في الأسرة السورية البسيطة..بل لنتحدث بدقة أكثر ونشخص الخلل تشخيصاً واقعياً، وسنستنتج أن المشكلة تنظيمية في بعدها الحقيقي.
تكاليف الشحن والنقل سبب تم تضخيمه كثيراً، رغم أنه سبب لا يمكن إغفاله في تحليل أسباب ارتفاعات الأسعار، لكن ليس إلى الحد الذي “يستثمره” التاجر لتسويغ حمى جني الأرباح السريعة.
كما أن تعدد وتزايد الحلقات الوسيطة التي وجدت في الاستثمار بتجارة المنتجات الزراعية، ما يناغي رغبات الإثراء السريع جداً .
وهنا نسأل ماذا عن أسواق الهال؟؟
هل سألنا عن فروقات الأسعار بين الحقل وبائع المفرق..من أين تتراكم العلاوات التي يدفعها المستهلك للحلقة التجارية الأخيرة؟
ألا يمكن ضبط هذه ” المكنة ” الشرهة للربح؟
أخيراً نسأل عن فكرة توزيع أسواق الهال في أطراف المدن لتكون خيار للتسويق من المنتج إلى المستهلك، كسر احتكارات أسواق الهال المركزية؟
اختصار الحلقات التجارية هو بداية الحل لمشكلة تؤرق المستهلك حالياً، وتجهله مشدوهاً أمام الارتفاعات الجنونية في الأسعار والاستحقاقات التي عليه تسديدها يوميا ثمناً للقمة بسيطة جداً لا علاقة لها ب “الدسم العالي”.
فهذه منتجات وخيرات البيئة السورية السخية، لا يجوز أن تكون عصية على أسرة قنوعة لا تنشد الرفاهية والترف، بل السترة والكفاية بحدودها الدنيا.
نهى علي