ظافر أحمد أحمد:
العالم كلّه منشغل بأكثر الأحداث الساخنة حالياً على الساحة الفلسطينية، ووسط هذا الانشغال وجدت المنظومة السياسية الغربية الفرصة مواتية لإعادة تسويق مفهومها للإرهاب، والذي يرتكز على تصنيف مقاومة الاحتلال بالعمل الإرهابي.
حرص نتنياهو رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي، وبلينكن، وزير الخارجية الأميركي على التركيز بوصف المقاومة الفلسطينية بصفات داعش، وذلك لاستغلال التركيز على الحدث الفلسطيني من أجل ربط الإرهاب بشخصية الفلسطيني، وطمس إرهاب الاحتلال ووحشيته وتجميله على أنّه حق مشروع للكيان الإسرائيلي وضمن حقوق الدفاع عن النفس ويتطلب سحق المقاومة الفلسطينية وكل من يعاضدها، وتشكيل تحالف دولي يشبه التحالف الذي تشكل لمكافحة إرهاب داعش.
بوادر التحالف المتجدد بدأت بالظهور فوصلت حاملة الطائرات الأمريكية الأضخم والأخطر في العالم لتتمركز قبالة فلسطين المحتلة للدفاع عن الكيان الإسرائيلي، وتتبعها سفينتان بريطانيتان لحماية الكيان الإسرائيلي وتحملان الإرث البلفوري الذي أنشأ ذات يوم و”بعين العطف وطناً قومياً لليهود”..، وأنشأ بعين اللؤم الشتات الفلسطيني في أنحاء الكرة الأرضية.
التصريحات الأميركية والإسرائيلية في شؤون المقاومة والإرهاب تلقفتها منظومة إعلامية سريعة النفاذ عالمياً وتستطيب إفراغ العمل المقاوم من قيمته الأخلاقية، ومحاولة تزوير أنبل وأشرف فعل بشري مضاد يقوم به الإنسان ضد من يحتله ويسلب حياته وحريته.
النكبة بكل الأفعال الصهيونية الإرهابية التي ارتبطت بها تسمّى في المصطلح الإسرائيلي (حرب الاستقلال)..، إنّه أوّل تزوير في ملف القضية الفلسطينية وتوغل في أخلاقيات المجتمع الدولي الذي شرّع النكبة، وكذلك شرّعتها نسبياً ذهنية عربية مستلبة تجاه مفاهيم السلام والاحتلال.. ويتمّ غزوها على مدار السّاعة كي تتقبل (السيادة الإسرائيلية) كملاذ من انكساراتها وأزماتها..، وما زالت في استلاب معمّق تجاه الكفاح المشروع للدول والشعوب، وعدم استيعاب أنّ هذا الكفاح يتطلب عملاً مقاوماً شرّعت له المفاهيم الدولية حق استخدام القوّة.
إنّ تحرير فلسطين وعلى الأقل (الحدود الفلسطينية وفق القرارات الأممية) لا يتم بالتظاهر وتذكير المحتل المتكرر بالسلام، فالأنموذج الذي أدى إليه “السلام” العربي الإسرائيلي هو أنموذج (سلطة فلسطينية بسيادة إسرائيلية)، وليس دولة فلسطينية بسيادة فلسطينية.
ومن أضاع بوصلة التفريق بين المقاومة والإرهاب، أضاع كنتيجة حتمية بوصلة تحديد المفهوم الدقيق للاحتلال الذي يمارس أعتى أشكال الإرهاب، من هنا ما يحدث وسيحدث لغزة لا يحتاج إلى مجرد فرجة بل إلى عمل مقاوم يتراكم بالتدريج للوصول إلى حالة ردع حقيقية بعدها تنقلب المعادلات إلى أفعال التحرير، ومنها استكمال تحرير الذهنية العربية من استلابها، هذه الذهنية التي لم تكن في يوم ما تتوقع إمكانية نقل المعركة إلى داخل الأرض الفلسطينية المحتلة والوصول إلى لحظة يعاين فيها العرب ألم المحتل ودموعه وصدمته.