تحديات بالجملة أمام عودة أكثر من 2,3 مليون سوري عادوا لديارهم 

الثورة – عبد الحميد غانم: 

أفادت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سيلين شميت، أن أكثر من 2.3 مليون سوري عادوا إلى ديارهم منذ كانون أول الماضي، ويشمل هذا العدد لاجئين ونازحين داخلياً.

وأكدت شميت أن هذه العودة الجماعية لم تكن بتسهيل من المفوضية أو أي جهة أخرى، بل كانت مدفوعة برغبة السوريين في العودة إلى وطنهم، وشعورهم المتزايد بالأمان، ورغبتهم في إعادة بناء بلادهم ولم شملهم بعائلاتهم.

ومع ذلك، يواجه العائدون تحديات مادية كبيرة، مثل العودة إلى منازل مدمرة أو متضررة، وصعوبة الحصول على عمل ودخل، بالإضافة إلى الحاجة الماسة إلى استعادة الوثائق المدنية وسجلات الملكية.

ما التحديات الكبيرة الماثلة أمام عودة السوريين إلى بلادهم، وما دور الحكومة المطلوب لتأمين تلك العودة الآمنة؟.

خطة مرحلية

رئيس مجلس النهضة السوري الخبير الاقتصادي الدكتور عامر ديب، أكد أن عودة المهجرين تمثل ضرورة وطنية وإنسانية واقتصادية، لكنها في غياب خطة واضحة ستتحول إلى عبء على الحكومة والمجتمع، وربما تصبح عائقاً أمام التنمية. لذلك، فإن التعامل مع هذا الملف يجب أن يكون على رأس أولويات العمل الوطني، عبر خطة مرحلية في البداية قصيرة المدى عبر توفير الخدمات الأساسية (الكهرباء، المياه، المأوى)، ومن ثم متوسطة المدى لتأهيل البنية التحتية، خلق فرص عمل، إعادة فتح المدارس والمراكز الصحية، وطويلة المدى: إعادة إعمار شاملة وربط المناطق العائدة بالاقتصاد الوطني.

وأشار إلى أن سوريا شهدت خلال أربعة عشر عاماً من الحرب انهياراً عميقاً في بنيتها الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، واستنزافاً واسعاً لطاقاتها البشرية، بين من اعتُقل في سجون النظام البائد، ومن اضطر للهجرة هرباً من القصف أو الملاحقات الأمنية.

وقال رئيس مجلس النهضة السوري: إن الأوضاع الاقتصادية وتراجع الخدمات المعيشية خلال 14 عاماً، وفقدان الوظائف وتراجع الاقتصاد وزيادة التضخم والاحتكار والسياسات التي مارسها النظام المخلوع زادت من عمليات النزوح إلى خارج سوريا.

وبين ديب أن هذه الهجرة توزعت بين نزوح داخلي – من الأرياف إلى المدن والعكس – وهجرة خارجية، خصوصاً باتجاه تركيا ومنها إلى أوروبا.

وأوضح أن ذروة الهجرة بلغت عام 2016، إذ اتجه نحو 70 بالمئة من موجات النزوح نحو تركيا، ثم جاءت الموجة الأكبر عام 2019 مع أحداث إدلب وبداية مناطق “خفض التصعيد”، التي تحولت إلى مقصد رئيسي للنازحين من مختلف المناطق، وقد أدى ذلك إلى خسارة سوريا لجزء كبير من قواها البشرية، وهو ما يشكل عائقاً جوهرياً أمام أي عملية تنمية أو إعادة إعمار.

ولفت ديب إلى أنه مع سقوط النظام، بدأت بعض مؤشرات العودة، حيث عاد قسم من المهجرين داخلياً إلى قراهم ومدنهم، إضافة إلى عودة محدودة من لبنان وتركيا.

استجابة حكومية عاجلة

غير أن هذه العودة تواجه تحديات كبيرة- كما بين ديب- تتطلب استجابة حكومية عاجلة ومدروسة، أبرزها:

1. الكهرباء: من خلال اعتماد حلول مرحلية مثل المولدات المتنقلة التي تغذي الأحياء بأنظمة فيول أو طاقة نظيفة، وإعادة تنظيم نظام “الأمبيرات” ضمن رؤية واضحة تمنع الفوضى وتضمن العدالة في التوزيع.

2. إعادة الإعمار السريع: عبر تقديم قروض ميسرة أو بدون فوائد لأعمال الإكساء، بضمانة العقار، مع أقساط طويلة الأجل، ووضع شروط عمرانية من قبل المحافظات تضمن مطابقة الأبنية للمعايير الدولية.

3. المياه: من خلال مواجهة تراجع الموارد المائية وجفاف بعض الينابيع، عبر خطط ترشيد واستثمار مصادر بديلة.

4. فرص العمل: وذلك عبر خلق مشاريع تشغيل عاجلة لامتصاص البطالة، خصوصاً بين الشباب.

5. التعليم وإعادة التأهيل: من خلال دمج الأطفال والشباب في العملية التعليمية والتدريب المهني، منعاً لظهور أزمات اجتماعية جديدة.

6 – المطالبة بمحاسبة رؤوس أموال شركاء النظام البائد وفق قيصر 2 ضرورة ملحة لأنهم كانوا شركاء الإفقار الممنهج للمواطن بحجة العقوبات.

العودة المستدامة

بدوره يرى الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي أن أرقام مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تُظهِر أن عودة أكثر من 2.3 مليون سوري خلال ثمانية أشهر، تعد دفعةً قويةً نحو استقرار البلاد، غير أن هذه العودة تنطوي على تحديات اقتصادية جسيمة تتطلب استجابات رسمية ومنظّمة، إضافةً إلى دعم أممي وعربي مستدام.

وبين أن التحديات الاقتصادية الكبرى التي تواجه العائدين تشكل عراقيل متعددة على صعيد إعادة الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، مشيرا إلى وجود تضرّر أو تدمير المنازل والبنى التحتية الأساسية يرفع كلفة إعادة الإيواء والصيانة، ويؤخّر استئناف الحياة الطبيعية، كذلك ندرة فرص العمل المحلية وغياب الاستثمارات الجديدة يعزّزان معدلات البطالة ويقلّلان من مصادر الدخل، وصعوبة استعادة الوثائق المدنية وسجّلات الملكية تعيق الوصول

إلى الخدمات البنكية والقروض وتمليك العقارات، إضافة لتراجع القدرة الشرائية وصعوبة الحصول على التمويل اللازم لتأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة.

ورأى قوشجي أن دور الحكومة في تأمين العودة المستدامة يجب أن يكون تدخل فاعل لتذليل الصعاب الاقتصادية بطريقة ممنهجة من خلال إصدار قوانين لإعادة تسجيل الملكيات وتصحيح أوضاع الوثائق المدنية، ووضع آليات تشجيع الاستثمار في المناطق الأكثر تضرراً من خلال حوافز ضريبية وضمانات ائتمانية.

كذلك تمويل ودعم المشاريع، وفقاً لقوشجي، وذلك من خلال تخصيص صندوق وطني للإعمار يجذب الاستثمارات العامة والشراكات مع القطاع الخاص، وإطلاق برامج تشغيل طارئة ومتوسطة الأجل تركز على إعادة تأهيل المنازل والبنى، والبنية التحتية والخدمات عبر إعادة تشغيل شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات في المناطق المكتظة بالعائدين، وتعزيز قطاع النقل والخدمات اللوجستية لربط القرى والمدن بأسواق العمل.

ودعا قوشجي إلى الحاجة إلى المساعدات الأممية والعربية تتجاوز موارد الدولة السورية، لجهة الأضرار الواسعة وعجز الموازنة، مبينا عدم قدرة إعادة الإعمار والتوظيف دون شراكات خارجية من خلال التمويل الإنمائي الذي يوفّر رأس المال اللازم لدعم الصندوق الوطني للإعمار ويُساهم في تقليص العجز المالي عبر تخصيص موارد طويلة الأمد للمشروعات الحيوية.

وشدد قوشجي على الشراكات مع القطاع الخاص التي تسهم في جذب رؤوس أموال استثمارية جديدة تستهدف إنشاء مشاريع إنتاجية وخدمية، ما يفتح أبواب فرص العمل أمام العائدين،وداعياً إلى المساعدات الإنسانية التي تعالج الاحتياجات الفورية للعائدين من مأوى وغذاء ورعاية صحية، لتثبيتهم سريعاً في مناطقهم وضمان استقرارهم الأساسي.

استلهام نموذج البلقان

ونوه بإمكانية استلهام نموذج إعادة الإعمار في البلقان بعد الحرب الباردة لإدارة الإعمار في سوريا، إذ ركزت دول البلقان بعد الحرب على بناء قواعد بيانات متكاملة للأراضي وعقود تملكها، مع آليات رسمية لاستعادة الحقوق وتعويض المتضررين، من خلال سنّ قوانين وردّ الملكيات وتبني لجان قضائية متخصصة، حيث تنخفض النزاعات العقارية وتتسارع أعمال إعادة الإعمار.

وقال: لهذا أقامت بلدان البلقان مجالس بلدية وإقليمية ذات ميزانيات مستقلة، تُنفّذ مشاريع إعادة التأهيل تحت إشراف مجلس أعلى يعزّز التنسيق ويحدّ من البيروقراطية المركزية، ويمكن لسوريا من سنّ قانون لامركزية مؤقت يوفر صلاحيات تنفيذية ومالية للمجالس المحلية في المناطق الآمنة.

وأشار قوشجي إلى أن دول المنطقة ربطت خطط إعادة البناء بمعايير الاتحاد الأوروبي وشركائها الدوليين، فأتيح تناغم التمويل التقني والمالي مع برامج الإصلاح التشريعي، مؤكداً أنه ينبغي على الحكومة السورية تشكيل لجنة إشراف عليا تضمّ الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية لضمان الشفافية وتوحيد الجهود.

ورأى قوشجي أن نجاح عودة السوريين يرتبط بإطلاق استراتيجية اقتصادية شاملة تُعالج تدمير البنى وتخلق فرص عمل، تحت إشراف حكومي قوي بدعم من الشركاء الإقليميين والدوليين.

لاشك أن تحقيق العودة المستدامة يتطلب تنسيقاً وثيقاً بين الحكومة، المجتمع المدني، والمؤسسات الأممية والعربية لضمان استقرار اقتصادي واجتماعي طويل الأمد.

آخر الأخبار
الرئيس الشرع والبطريرك يازجي ..وحدة السوريين صمام الأمان أمام محاولات التقسيم والتفكيك  "العدل" : عدم فك احتباس الحفارات التي تقوم بحفر آبار  بدون ترخيص   الشيباني مع المحافظين : الاستفادة من الدعم الدولي بما يخدم الأولويات المحلية   الرئيس الشرع يستقبل البطريرك يوحنا العاشر يازجي وتأكيد على الدور الوطني        انفجار المزة ناجم عن عبوة ناسفة مزروعة بداخل سيارة مركونة  المجتمع الأهلي يجهز بئر مياه كويا بدرعا  تحديات بالجملة أمام عودة أكثر من 2,3 مليون سوري عادوا لديارهم  ارتفاع الدولار وحرائق الساحل تنعكس على الأسعار في الأسواق  ريادة الأعمال في قلب التغيير.. النساء دعامة المجتمع خفايا  ثوب الانفصال!   حملة تنظيف لشوارع الصنمين بعد 15 يوماً على تخصيص رقم خاص للشكاوى.. مواطنون لـ"الثورة": عزز الثقة بعمل مديريات محافظة دمشق بسبب الضياع المائي .. شح في مياه الشرب بدرعا معرض دمشق الدولي .. منصة شاملة تجمع التجارة بالصناعة والثقافة عودة بئر "دير بعلبة" للعمل شهر على اختطاف حمزة العمارين.. قلق متصاعد ومطالبات بالكشف عن مصيره الفرق تواصل السيطرة على آخر بؤر حرائق كسب بريف اللاذقية دراسة إعفاء الشاحنات ومركبات النقل من الرسوم  وتفعيل مركز انطلاق السيارات السورية مع لبنان السويداء بين شعارات "حق تقرير المصير" وخطر الارتماء في الحضن الإسرائيلي "معاً نبني سوريتنا" .. لقاء حواري يعيد رسم ملامح التكاتف المجتمعي في سوريا