الثورة – ميساء العلي:
القروض المصرفية ليست مجرد أداة مالية، بل هي رافعة اقتصادية أساسية، تساعد على إعادة بناء القطاعات الإنتاجية، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتنشيط الاقتصاد الوطني. غير أن نجاح هذه الأداة يتطلب إدارة مصرفية رشيدة ورقابة فعالة، وتوجيهاً صحيحاً نحو الاستثمار المنتج الذي يعزّز النمو المستدام ويحقق الاستقرار الاقتصادي.
دفع الإنتاج
يقول الخبير في الشؤون الاقتصادية الدكتور يحيى السيد عمر إن القروض المصرفية تُعد عاملاً حاسماً في دَفْع عَجَلة الاستثمار وتحفيز النشاط الاقتصادي، لا سيما في مراحل إعادة بناء البنية التحتية وتنشيط القطاعات الإنتاجية، إذ لا يمكن الحديث عن تنمية مستدامة أو إعادة إعمار ناجحة دون وجود منظومة تمويلية مَرِنَة وفعّالة، يكون فيها الائتمان المصرفي الأداة الأساسية لتحريك المشاريع، سواء كانت صغيرة، متوسطة أو كبرى.
ويضيف السيد عمر في حديثه لـ”الثورة” أن توقُّف الإقراض يُؤثِّر سلباً على خطط إعادة الإعمار وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تُشكِّل العمود الفقري للاقتصاد وفرص العمل.
ويتابع كلامه: لا شك أن إعادة تنشيط منظومة الإقراض تتطلب بدايةً مراجعة قانون المصارف الحالي، بما يتماشى مع المتغيّرات الاقتصادية والمالية المتسارعة، لاسيما في ظل الانفتاح الجزئي الذي تشهده المرحلة الراهنة، وتنامي فرص إعادة الاندماج في النظام المالي العالمي، بما في ذلك إمكانية الربط مجدداً مع نظام التحويلات الدولي “سويفت”.
تحديث تشريعي
وقال الخبير الاقتصادي إن هذه التطورات المحتملة تفرض تعزيز الالتزام بمعايير الشفافية والإفصاح، وتستدعي مواكبة ذلك على مستوى البنية التشريعية والتقنية، لضمان بيئة مصرفية حديثة قادرة على تلبية متطلبات المرحلة المقبلة. وبحسب السيد عمر فإن التحديث المطلوب لا يقتصر على الجانب التشريعي فحسب، بل يشمل أيضًا تأهيل الكوادر المصرفية، وتطوير أدوات إدارة المخاطر، وتفعيل دور المصرف المركزي في رسم سياسة ائتمانية أكثر توازناً، كما أن تشجيع الابتكار المالي وتقديم منتجات تمويلية حديثة يتناسب مع احتياجات السوق يُعدّ عنصرًا ضرورياً لتحفيز الإنتاج ودعم المشاريع المستدامة.
لا يعني التسرّع
ويرى أن إعادة إطلاق القروض لا تعني التسرُّع أو التوسُّع غير المدروس في الإقراض، بل تتطلب إطارًا مهنيًّا واضحًا يوازن بين دعم النمو الاقتصادي وتقليل المخاطر المالية، فالإصلاح المصرفي الشامل يُشكِّل الأساس لتأمين بيئة تمويلية صحية وآمنة، قادرة على مواكبة خطط إعادة الإعمار والتنمية، ضمن رؤية اقتصادية متكاملة وأدوات تمويل مرنة. ومن المهم في هذا السياق كما يرى السيد عمر أهمية تعزيز التعاون بين المصارف ومؤسسات التمويل الأصغر، وإطلاق برامج تمويل ميسّرة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بما يُسهم في تشغيل الأيدي العاملة، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في آنٍ معاً.
في المحصلة وبحسب الخبير الاقتصادي فإن توقُّف البنوك عن مَنْح القروض لا يجب أن يُفهَم كحالة فنية أو عابرة، بل كمؤشر على حاجة عميقة لإصلاحات هيكلية في البيئة المصرفية والتشريعية، وإذا ما أُريد فعلًا للاقتصاد السوري أن ينهض، فلا بد من تأسيس بيئة تمويلية متطوّرة ومحكومة بإطار قانوني مَرِن ومتجدّد، يتماشى مع المعايير الدولية، ويُعِيد الثقة بالقطاع المصرفي كرافعة تنموية حقيقية في مرحلة إعادة الإعمار.