الثورة – لينا شلهوب:
في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه قطاع الكهرباء في سوريا، جراء تدمير بنية تحتية ضخمة، وعجز يصل إلى 80 بالمئة من احتياجاتها، تعمل الحكومة على خطط لإعادة الهيكلة والتطوير بمساعدة استثمارات وشركات دولية لتأهيل المحطات، وتطوير الطاقة المتجددة ورفع إنتاج الغاز اللازم لتشغيل المحطات، إذ أعلنت المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء مؤخراً عن توقيع عدد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات مع شركات محلية وأجنبية لتنفيذ مشاريع طاقة متجددة، موزّعة بين محطات شمسية وريحية، الأمر الذي اعتبر خطوة على طريق تعزيز المنظومة الكهربائية، وتوسيع مصادر إنتاجها.
إلا أن هذا الإعلان، رغم أهميته، يثير تساؤلات حول مدى واقعية التنفيذ، وأثر هذه المشاريع فعلاً على تحسّن التغذية الكهربائية في السنوات المقبلة.
مشاريع واعدة
مدير المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء المهندس خالد أبو دي في لقاء إعلامي، أوضح أن المشاريع الجديدة تشمل إنشاء ثلاث محطات للطاقة الشمسية بقدرة إجمالية تبلغ 500 ميغاواط، إلى جانب محطة طاقة ريحية بقدرة 200 ميغاواط، لافتاً إلى أن التنفيذ سيبدأ بعد استكمال الإغلاق المالي خلال فترة لا تتجاوز 18 شهراً للمحطات الشمسية، و24 شهراً للمحطة الريحية.
وأضاف: إن جميع المشاريع ستربط بالشبكة الكهربائية الرئيسية على جهد 230 ك. ف لضمان استقرار التغذية، وتوسيع نطاق الاستفادة منها، مشيراً إلى أن التنفيذ سيتم بالتعاون مع شركات سعودية، وسورية – تركية ذات خبرة في مجال الطاقة المتجددة.
تحول استراتيجي أم خيار اضطراري؟
وفق تقديرات فنية، تمثّل القدرة الإنتاجية لهذه المشاريع ما يقارب 10 بالمئة من إجمالي الطاقة النظرية لمحطات التوليد التقليدية قبل عام 2011، في وقت لا يتجاوز فيه الإنتاج الحالي 2000 ميغاواط فقط من أصل أكثر من 6000 ميغاواط كانت متاحة.
ويرى خبراء أن هذه الخطوة، إن نفذت فعلاً، يمكن أن تسهم في رفع الإنتاج الكهربائي بنحو 25 إلى 30 بالمئة خلال عامين، وهو تحسّن ملموس قياساً بالوضع الراهن، لكنهم يحذرون من العقبات التمويلية والفنية التي قد تعرقل التنفيذ ضمن المهل المحددة.
الخبير في شؤون الطاقة وسيم الحسين يؤكد لـ”الثورة” أن التوجّه نحو الطاقات المتجددة أصبح ضرورة وطنية وليست خياراً ترفيهياً، خاصة مع تراجع كميات الوقود اللازمة لتشغيل المحطات الحرارية التقليدية، إذ تعتمد المنظومة الكهربائية السورية بشكل كبير على الفيول والغاز، وكلاهما يعاني من نقص حاد، لذلك فإن التوسّع في مشاريع الطاقة الشمسية والريحية يوفّر بديلاً مستداماً، ويقلّل من التكاليف التشغيلية على المدى الطويل، ويضيف أن معدلات الإشعاع الشمسي في سوريا من الأعلى في المنطقة، إذ تتجاوز 5,5 كيلوواط ساعي للمتر المربع يومياً، ما يجعل الاستثمار في الطاقة الشمسية مجدياً اقتصادياً، شريطة تأمين التكنولوجيا الحديثة وقطع الغيار بعيداً عن العقوبات وصعوبات الاستيراد.
شراكات استثمارية وتمويل حساس
تؤكد المؤسسة أن المشاريع ستُنفذ عبر شركات سعودية، وسورية- تركية، ما يشير إلى توجّه نحو الشراكة الاستثمارية، لكن لم تعلن بعد تفاصيل العقود أو آليات التمويل، ويرجّح الخبير الاقتصادي خالد الأحمد أن تكون هذه المشاريع من نمط العقود الاستثمارية طويلة الأمد (BOT)، بحيث تموّل الشركات التنفيذ والتشغيل لفترة معينة قبل نقل الملكية إلى الجانب السوري، معتبراً أن هذا النموذج يمكن أن يخفف العبء عن الموازنة العامة، ويدخل استثمارات جديدة في قطاع يعاني من نقص التمويل، أما إذا كان التمويل حكومياً بحتاً، فسيبقى التنفيذ مرهوناً بالموارد المحدودة والظروف الاقتصادية الصعبة، كما ويقدّر أن الكلفة الإجمالية لمشاريع بقدرة 600 ميغاواط قد تتراوح بين 400 و500 مليون دولار، ما يجعل مسألة التمويل من أكثر الجوانب حساسية وتعقيداً.
الفوائد البيئية والتنموية
لا تقتصر أهمية المشاريع على تحسين التغذية الكهربائية فحسب، بل تمتد إلى الجانب البيئي أيضاً، إذ يرى المهندس البيئي رائد خضور، أن إدخال الطاقة المتجددة إلى الشبكة يعني خفض الانبعاثات الكربونية وتقليل الاعتماد على الفيول الثقيل الذي يسبب تلوثاً عالياً، مبيناً أن المشاريع الجديدة تساهم في تحسين نوعية الهواء، وتوفر فرص عمل في مجالات التركيب والصيانة، خصوصاً في المناطق الريفية والصناعية التي تحتاج إلى مشاريع تنموية مستدامة، لكنه يشدد على ضرورة تحديث شبكة النقل والتوزيع لتقليل الفاقد الكهربائي الذي يتجاوز حالياً 20 بالمئة. ورغم الطابع الإيجابي للإعلان، إلا أن الخبراء يجمعون على أن التنفيذ هو المعيار الحقيقي، فالكثير من مشاريع الطاقة المتجددة في سوريا بقيت خلال السنوات الماضية في مرحلة الدراسات أو التوقيع دون أن ترى النور فعلياً، إما لأسباب تمويلية أو لوجستية، ومع ذلك تبقى الخطوة الحالية مؤشراً على محاولة رسم مسار جديد لقطاع الكهرباء يقوم على التنويع والاستدامة، فإذا ما التزمت الشركات بالمواعيد المحددة (18 إلى 24 شهراً)، وإذا ما توفرت الظروف الفنية والتمويلية، فقد نشهد نقلة نوعية في منظومة الكهرباء السورية خلال عامين، تمهّد لمرحلة جديدة من الاعتماد المتزايد على الطاقة النظيفة.
بين الأمل والحذر
تُبيّن المهندسة في مجال الكهرباء عناية النجاد، أنه رغم الحماس الرسمي لهذه المشاريع، إلا أن التجارب السابقة تجعل المراقبين أكثر حذراً، إذ لم تستكمل العديد من مشاريع الطاقة المتجددة التي أُعلن عنها في السنوات الماضية لأسباب تمويلية أو لوجستية، لكن في المقابل، يشير خبراء إلى أن دخول شركات أجنبية واستثمارية جديدة قد يفتح الباب أمام نقلة نوعية في هيكلة قطاع الكهرباء خلال السنوات المقبلة، شرط الالتزام بالجدول الزمني وجودة التنفيذ. وتطرقت إلى أن مشاريع الطاقة الشمسية والريحية التي أُعلن عنها تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تنويع مصادر الطاقة وتحقيق قدر من الاستقلال الطاقي، لكنها تبقى رهينة التنفيذ الفعلي والتمويل المستدام.
وما بين التفاؤل والانتظار، تبقى أعين السوريين معلّقة على الوعود لتنفيذها، على أمل أن تتحول هذه الخطوات من أوراق اتفاقيات إلى طاقة حقيقية تضيء البيوت وتخفف ساعات التقنين.