الثورة – ثورة زينية:
في الوقت الذي تتعالى فيه الخطابات الوطنية حول تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها في الحياة العامة، تظهر أرقام المشاركة النسائية في الانتخابات الأخيرة كمؤشر مقلق لا يمكن تجاهله، فنسبة 5 بالمئة فقط من التمثيل النسائي على الرغم من تخصيص “كوتا” نسائية تبلغ 20 بالمئة تطرح أكثر من علامة استفهام حول جدوى هذه النسب حين تفرغ من مضمونها.
“لأول مرة شعرنا أن صوتنا يُحترم وإرادتنا تُصان، لقد جاءت الانتخابات هذه المرة بنزاهة وشفافية أعادت لنا الثقة بالمسار الديمقراطي”، لكن مديرة جمعية “صانعات التغيير” في إدلب الناشطة سعاد الأسود أبدت خيبة أملها من هذه النسبة المتدنية جداً، مؤكدة في حديث خاص لـ”الثورة” أن المشاركة النسائية لم تكن مجردة من النوايا الصادقة أو المحاولات الجادة، بل على العكس فقد سعت نساء كثر إلى خوض المعترك الانتخابي مدفوعات برغبة حقيقية في كسر القوالب النمطية، والمساهمة في صناعة القرار المحلي والتشريعي، لكن الطريق لم يكن مفروشاً بالإرادة وحدها، فالعملية الانتخابية، كما تروي كانت عاجلة ومرتجلة وغير مهيأة لاستقبال مشاركة نسائية عادلة.
الخلط بين الأدوار
وتضيف: منذ إعلان التسجيل وحتى يوم الاقتراع، بدا وكأن الوقت لا يكفي لتشكيل تحالفات حقيقية، أو حتى لفهم دور المجالس المنتخبة، كما لم تتح للمرشحات فرصة لبناء قواعد جماهيرية، ولا توفرت أدوات دعم كافية، وما جرى على الأرض كان أقرب إلى سباق محسوم النتائج سلفاً، تتحكم فيه علاقات اجتماعية وولاءات محلية تتفوق على الاعتبارات القانونية والكفاءة الفردية، مشيرة إلى أن الناخبات والناخبين على حد سواء وفق ما تشير إليه شهادات متقاطعة لم يتمكنوا من التمييز بين الدور التشريعي الرقابي للمجالس المنتخبة، وبين الدور التنفيذي الخدمي، إذ تدفقت وعود انتخابية كسيول موسمية، مثل إعادة الإعمار وتحسين البنية التحتية، وتوفير فرص العمل، وكلها تعهدات لا تنتمي إلى صلاحيات المجالس، لكنها شكلت محور الخطاب الانتخابي في غياب شبه تام لأي شرح منهجي يوضح وظيفة هذه الهيئات المنتخبة.
وتؤكد الناشطة الأسود أن هذا الخلط في الأدوار لا يعكس فقط خللاً في الفهم السياسي، بل يسلط الضوء على غياب التوعية المدنية، وهي فجوة تزيد من تعقيد مشاركة النساء، خصوصاً أولئك اللواتي يخضن التجربة للمرة الأولى، وحسب تعبيرها فالمرأة، في هذا السياق لا تواجه فقط معركة على أصوات الناخبين، بل معركة مزدوجة بين إثبات الجدارة السياسية وتفنيد التصورات المسبقة عن أدوارها.
وبينت أنه لم يكن مستغرباً في هذه الظروف أن تسجل حالات انسحاب متكررة بين صفوف المرشحات، فبعضهن تلقين عروض عمل أفضل، وبعضهن واجهن ضغوطاً أسرية أو مهنية، وأخريات قررن الانسحاب ببساطة لأن الشعور الطاغي كان في معركة غير متكافئة منذ البداية.
وأكدت أن التراجع من نسبة 20 بالمائة إلى 14,5 بالمائة في الترشح النسائي لا يُقرأ كأرقام فقط، بل كترجمة واقعية لبيئة غير مشجعة على الاستمرار.
الصوت الذكوري أعلى
وتضيف النانشطة الأسود: المشهد الانتخابي اتسم أيضاً بغياب منصات تواصل فعالة بين النساء المرشحات، فلم تكن هناك اجتماعات تشاورية أو لقاءات تنسيقية منظمة من قبل اللجان المسؤولة، الأمر الذي حال دون بناء تحالفات نسوية محلية، وأفقد الحملات الانتخابية الكثير من الزخم المطلوب في الميدان، موضحة أنه في قلب كل ذلك، كان الصوت الذكوري هو الأعلى فالتكتلات الانتخابية الكبرى أُديرت في معظمها من قبل رجال وتداولت الأسماء الرجالية بصفتها الأقوى أو الأكثر قبولاً، بينما ظلت أسماء النساء تدور في الهامش، وكأن وجودهن ترف سياسي أو التزام شكلي لا أكثر.
وعلى الرغم من ذلك تقول مديرة جمعية “صانعات التغيير”: إن التجربة لم تكن خالية من المكاشفة، إنها لحظة مواجهة مع الذات والمؤسسات، تسأل فيها النساء: ما المطلوب فعلاً حتى نكون شريكات حقيقيات في الحياة السياسية؟ وهل يكفي أن يسمح لنا بالمشاركة لنُعتبر ممثلات، أم أن التمكين يحتاج إلى بيئة حاضنة، لا مجرد مقاعد محفوظة؟.
وتتابع: الإجابات تبدأ من إعادة تعريف العملية الانتخابية برمتها، ومن المهم ألا تكون الانتخابات لحظة عابرة، بل سيرورة تبدأ بالتثقيف السياسي، وتمر بالتشبيك المجتمعي، وتنتهي بتمثيل عادل، وعلى المؤسسات المعنية أن تدرك أن تخصيص نسب للنساء لا يغني عن الحاجة إلى دعم فعلي من تدريب على إدارة الحملات، وتغطية إعلامية عادلة، ومنصات تشبيك، وضمانات بعدم تحول الانتخابات إلى معركة علاقات على حساب البرامج.
عدالة التنافس
ونوهت بأن المرأة كما تثبت التجارب المختلفة قادرة على صياغة خطاب سياسي واعي وعلى تقديم أداء مشرّف في مواقع القرار، إذا ما توفرت لها الأدوات والبيئة المناسبة، فالمطلوب ليس فقط إتاحة الفرصة، بل ضمان عدالة شروط التنافس.
وختمت حديثها بقولها: إن انخفاض نسبة تمثيل النساء يجب ألا يُقرأ كفشل فردي أو ظرفي، بل كمؤشر على فجوة بنيوية لا تزال قائمة بين النصوص القانونية والممارسات الفعلية، وسدُّ هذه الفجوة لن يتم بالشعارات، بل بإجراءات تُعيد الاعتبار للمشاركة النسائية باعتبارها أحد أركان الديمقراطية السليمة، لا ديكوراً في المشهد السياسي.