الثورة- نور جوخدار:
دون التوصل لأي اتفاق يذكر بشأن الحرب الروسية الأوكرانية انتهت قمة ألاسكا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بضجيج سياسي كبير، وبعد ساعتين ونصف الساعة من المحادثات في قاعدة “إلمندورف ريتشاردسون” بمدينة أنكوريج، خرج الرئيسان إلى مؤتمر صحفي قصير لم يتجاوز 15 دقيقة، اقتصر على عبارات دبلوماسية عامة ودون أي أسئلة صحفية.
ترامب وصف اللقاء بأنه “مُثمر للغاية” رغم إقراره بعدم التوصل إلى اتفاق، قائلاً: “أحرزنا تقدماً ملحوظاً، لكننا لم نصل إلى اتفاق تماماً”، فيما اكتفى بوتين بالإشادة بـ”النبرة الودية” لترامب، مقترحاً أن تُعقد القمة المقبلة في موسكو، وهو ما رد عليه ترامب بابتسامة وتحذير من “انتقادات لاذعة”.
وخلال كلمته، أعاد بوتين التأكيد على تفهم ترامب أن “لروسيا مصالحها الوطنية الخاصة”، داعياً إلى “طي صفحة الماضي” في العلاقات بين موسكو وواشنطن، متذكراً المهام المشتركة التي قام بها البلدان أثناء الحرب العالمية الثانية.
لكن القمة التي كان ترامب يأمل أن تُفضي إلى التزام روسي بوقف إطلاق النار أو الدخول في مفاوضات، انتهت بضرورة “التشاور مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة الناتو بشأن الخطوات المقبلة”، معلناً أنه سيستقبل الأخير في البيت الابيض يوم الاثنين وإذا سارت الأمور على ما يرام فسوف يحدد موعداً لقمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حسبما نقلته صحيفة الغارديان.
أعقب القمة اتصال هاتفي ضم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وسبعة قادة أوروبيين بينهم زيلينسكي وفريدريش ميرز، وكير ستارمر، وجورجيا ميلوني، وألكسندر ستوب، وكارول ناوروكي، بالإضافة إلى الأمين العام للناتو مارك روته، واستمر ساعة كاملة بحسب بيان مكتب الإليزيه.
ماكرون أشاد بفتح قنوات الحوار، بينما اعتبر نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني أن “كل خطوة نحو السلام تُعدّ خبراً ساراً، وكما قال البابا ليو، فلتعد الدبلوماسية إلى لغة الحوار بدلًا من السلاح، دون أن يُعيقها أحد”.
بالمقابل، حذر وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث إيدي من “التبريرات الروسية” للحرب، مطالباً بمواصلة الضغط على روسيا والاستماع إلى رغبات أوكرانيا واحتياجاتها، فيما وصف وزير الخارجية التشيكي يان ليبافسكي تصريحات بوتين حول “جذور الصراع” بأنها “دعائية”، مؤكداً أن المشكلة تكمن في “الإمبريالية الروسية”، أما وزير الدفاع الليتواني دوفيلي شاكاليني، فاتهم بوتين بإطلاق “تهديدات مبطنة” ضد أوكرانيا وأوروبا.
من جهته، رأى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أن “العالم اليوم أكثر أماناً مما كان عليه بالأمس”، في إشارة إلى جلوس القوتين النوويتين على طاولة واحدة.
صحيفة بوليتيكو رأت أن اللقاء انتصار لـ بوتين في ألاسكا بعدما ظهر على الأراضي الأميركية كـ”شريك ندّي” لترامب، رغم كونه متهماً بارتكاب جرائم حرب. واعتبرت أن مجرد انعقاد اللقاء منحه شرعية دولية، من دون أن يقدم أي تنازلات مثل وقف إطلاق النار.
لكن وفقاً للمراقبين المخضرمين، من مسؤولة روسيا السابقة في عهد ترامب فيونا هيل، إلى المدير الأول السابق لشؤون أوروبا في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس جو بايدن، مايكل كاربنتر، فإن مؤتمر ألاسكا كان خطأ، وقال كاربنتر إن “القمة أعطته الشرعية على الساحة العالمية”.
وليس فقط على الساحة العالمية، من المؤكد أن الكرملين ووسائل الإعلام الروسية الموجهة للدولة انشغلت بتصوير القمة على أنها لا تتعلق بأوكرانيا، بل تتعلق أكثر ببوتين وترامب، زعيمي القوى العظمى، اللذين يجلسان معاً لتحديد شكل المستقبل العالمي.
وقبل القمة، حصل بوتين أيضاً على تأييد أميركي لفكرة مقايضة أوكرانيا بالأرض مقابل السلام، مراهناً على كييف.
لا شك أن هدف بوتين من قمة ألاسكا كان تجنب إثارة غضب ترامب، وتأجيل فرض المزيد من العقوبات الغربية على روسيا أو حلفائها، والاستمرار في نفس النهج الذي اتبعه.
وسعى الرئيس الروسي إلى تقديم نفسه كشريك بناء من أجل السلام، قائلاً: إنه يأمل ألا يحاول الآخرون التدخل لوقف التقدم نحو إنهاء الحرب.
أما موقع أكسيوس عنون، المرة القادمة في موسكو”: بوتين يدعو ترامب في ختام القمة، فركّز على تعليق بوتين الختامي بالإنجليزية وهي لغة نادراً ما يتحدث بها علناً “المرة القادمة في موسكو”، الذي فاجأ ترامب وأثار ضحكته، لكنه كشف في الوقت نفسه عن رغبة روسية في دفع العلاقة إلى مستوى أبعد.
وفقاً لما نقلته صحيفة لوفيغارو عن الخبير السابق في وكالة المخابرات المركزية في معهد كوينسي لرسم الدولة المسؤول، جورج بيبي، بعيداً عن الاهتمام اللوجستي الواضح بتنظيم اجتماع الرؤساء الروس والأميركيين في مثل هذا الموقع المغلق والمفرط، فإن اختيار هذه القاعدة العسكرية رمزي.
وأضاف “ما يفعله (دونالد ترامب) ليس الحرب الباردة، نحن لا نعيد كل تلك القمم التي عقدت في الحرب الباردة في بلدان محايدة، النمسا وسويسرا وفنلندا، نحن ندخل حقبة جديدة”.