بقلم الكاتب السعودي ماجد المالكي :
في زمن امتلأت فيه صفحات التاريخ بدماء الشهداء، واصطبغت أرض سوريا بألوان التضحية، يخرج علينا بعض الأصوات من السويداء، ليعلنوا لأول مرة، وبلا خجل رغبتهم في الانضمام إلى إسرائيل.. أيُّ خيانةٍ أعظم من أن يستبدل الإنسان وطنه بعدوّه، وأن يرفع راية الانفصال باتجاه دولة قامت على اغتصاب الأرض، وتشريد أهلها، وإراقة دماء العرب والمسلمين منذ عقود .. ؟! إنها طعنة في خاصرة العروبة، وجريمة لا يُمكن أن تُغتفر.
الشعب السوري لم يعرف في تاريخه المعاصر سوى المقاومة والصمود. لأكثر من أربعة عشرة سنة، وقف السوريون وحدهم في وجه قوى إقليمية وعالمية تكالبت على أرضهم، صمدوا أمام روسيا بجبروتها العسكري، وأمام إيران بميليشياتها الطائفية، وأمام جيوش المرتزقة التي تدفقت من العراق ولبنان.
آلاف الشهداء ارتقوا، وملايين هُجّروا، لكن رغم ذلك ظلّ السوريون متمسكين بتراب بلادهم، يدافعون عن كل شبر من أرضهم.
واليوم ، بعد كل هذا النضال، يأتي بعض الخونة من بعض أبناء السويداء ليقولوا : نريد الاستقلال والانضمام إلى إسرائيل .. !! وكأنهم لم يسمعوا أنين الأطفال في حلب، ولم يروا دماء الشهداء في الغوطة، ولم يشاهدوا صمود درعا وحمص وإدلب. أيُّ عارٍ أن تُختزل تضحيات السوريين كلها في نزوة انفصالية بائسة!
إن من يرفع شعار الانفصال ويهتف باسم إسرائيل، لا يستحق أن يحمل الجنسية السورية. الجنسية شرف ووفاء، وليست ورقة عبور للمؤامرات. ومن باع وطنه فليذهب إلى حيث يريد، وليجد له مكاناً تحت خيمة تل أبيب، فالأرض السورية أطهر من أن تُدنَّس بخطوات الخيانة.
ليُسحب هذا الشرف العظيم منهم ، وليُفتح لهم الباب للهجرة، فلعل إسرائيل تجد فيهم عمالة جديدة تستعملها حيناً وتلفظها حيناً آخر . أما سوريا فلن تفرّط في تاريخها ولا في مستقبلها، ولن تسمح لأحد، كائناً من كان، أن يقتطع شبراً من أرضها.
لقد أثبت التاريخ أن السوريين، رغم جراحهم وآلامهم، يظلون صفاً واحداً حين يُهدَّد الوطن. الشعب اليوم مع حكومته، يقف كتفاً إلى كتف ضد مؤامرات الانفصال، ويقول بصوت واحد: “لن نسمح لأحد أن يسرق شبراً من أرضنا.” الوطن ليس ملكاً لطائفة ولا لقبيلة ولا لعائلة، بل هو ملك دماء الشهداء التي روت ترابه منذ أربعة عشر عاماً من الصمود، مؤكدين أن سوريا ستظل واحدة، والشعب الذي رفض التدخل الأجنبي، وواجه جحافل الجيوش والميليشيات، لن يسمح لصرخات مشبوهة بأن تعبث بوحدته.
يبقى السؤال الحارق : ماذا يريد الشيخ الهجري ومن يلوذ حوله؟ هل يريدون أن يضعوا جبل العرب في مواجهة الشعب السوري كله .. ؟ وهل يظنّون أن التاريخ سيغفر لمن يطلب الانفصال .. ؟ وأين النخب الكبيرة والعاقلة في السويداء .. ؟ لماذا صمتوا اليوم أمام أصوات تريد أن تساوم على وحدة البلاد .. ؟
إن مسؤولية العقلاء من أبناء السويداء اليوم جسيمة؛ ويجب عليهم أن يعلوا فوق هذه الأصوات النشاز، وأن يثبتوا أن جبل العرب لا يزال جبل الكرامة، لا جبل الخيانة، وعليهم أن يقفوا مع الوطن لا ضده، ومع سوريا الموحدة، لا ممزقة الأوصال، فالشعب السوري بكل أطيافه لن يقبل هذه الخيانة، وسيتصدى لها بصلابة، ومن أراد أن يغادر إلى إسرائيل فليغادر، أما سوريا فستبقى واحدة، عصيّة على التقسيم، محفوظة بدماء شهدائها ووفاء أبنائها.

السابق