الثورة – مها دياب:
في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها العالم، أصبحت ريادة الأعمال أداة محورية لتمكين المرأة، فهي تمنحها فرصة المبادرة والابتكار، وتساعدها على تحقيق الاستقلال الاقتصادي، إلى جانب تقديم حلول عملية لمشكلات المجتمع، وفي سوريا حيث تتضاعف التحديات، تبرز ريادة الأعمال كوسيلة فعالة لإعادة بناء الذات والمجتمع، وتأكيد دور المرأة في التنمية.
من هذا المنطلق، أطلقت الغرفة الفتية الدولية في دمشق مشروعاً نوعياً تحت عنوان: “النساء دعامة المجتمع بالريادة للأعمال والمهن”، بهدف تسليط الضوء على النساء السوريات اللواتي نجحن في تحويل أفكارهن إلى مشاريع مؤثرة، وساهمن في بناء سوريا الجديدة.
دعم الريادة النسائية
وضمن إطار المشروع، نظمت ورشة عمل حوارية بعنوان: “النساء في عالم الأعمال” في فندق الشام بدمشق، وفي افتتاح الجلسة الحوارية تحدثت رئيس الغرفة آلاء سوقية عن مسيرة الغرفة في دعم المبادرات الشبابية والنسائية على مدار عشرين عاماً، من خلال برامج تدريبية ومشاريع توعية وحملات تسويقية.
كما تحدث نائب الرئيس المحلي لنطاق الأعمال والريادة عمر القاسمي حول تنفيذ عدد من المشاريع التي تستهدف اليافعين والنساء، وتوفر لهم أدوات عملية للانخراط في سوق العمل، مبيناً أن مشروع “النساء في عالم الأعمال” يأتي ضمن هذا التوجه، ليخلق مساحة حوارية وتدريبية تمكن النساء من تبادل الخبرات، والتعرف على نماذج ناجحة، واستلهام أفكار قابلة للتحول إلى مشاريع ريادية.
الجلسات الحوارية
وتحدثت أيضاً مدير المشروع آية قلفة، موضحة أن الفعاليات قد انطلقت في الشهر السابع من هذا العام، وتضمنت سبع جلسات حوارية بإشراف السيدة آيات الحموي، بمشاركة نخبة من النساء السوريات اللواتي قدمن تجاربهن في مجالات متنوعة.
وبينت أن الهدف من الورشة لم يكن فقط عرض قصص النجاح، بل خلق مساحة للنقاش المفتوح حول التحديات التي تواجه المرأة في بيئة العمل، وسبل تجاوزها، إلى جانب تقديم نماذج حقيقية تلهم المشاركات وتدفعهن نحو المبادرة.
وأشارت قلفة إلى أنه قد أُجري استبيان في نهاية الجلسات لقياس تأثير الجلسات الحوارية، وأظهرت النتائج أن 76 بالمئة من المشاركين بدؤوا بالتفكير الجدي في مشاريعهم، وتعرفوا على نساء مؤثرات في المجتمع، مؤكدة أن هذه الجلسات لم تكن مجرد لقاءات، بل شكلت مساحة للتبادل المعرفي والتحفيز، وبناء شبكة دعم نسائية قوية.
كما بينت أن النقاش المفتوح حول التحديات والنجاحات نهاية كل جلسة، أضفى طابعاً تفاعلياً وإنسانياً على المشروع، وأكد أهمية الحوار في بناء الثقة وتبادل الخبرات.
من الفكرة إلى الإنجاز
كل قصة نجاح تبدأ بفكرة، وهذا ما أثبتته المشاركات في الورشة، إذ استطعن تحويل أفكار بسيطة إلى مشاريع مؤثرة خلقت فرص عمل وحققت أثراً اجتماعياً واقتصادياً ملموساً، وتنوعت مجالات عملهن بين الحرف اليدوية والتدريب والإدارة والتخطيط العمراني، لكن ما جمعهن هو الإصرار والقدرة على تحويل التحديات إلى فرص.
وخلال الورشة تمت استضافة أبرز المشاركات بالمشروع وتحدثن عن تجاربهن الملهمة:
السيدة ميساء فزع، من الكروشيه إلى سلسلة متاجر، قالت: بدأت رحلتي بصناعة دمى من الكروشيه في المنزل بدافع الشغف وحب الحرفة، وتطورت فكرتي إلى مجموعة منتجات يدوية وقررت توسيع المشروع بتأسيس فريق عمل نسائي، ودربت سيدات للعمل معي وافتتحت خمسة متاجر في دمشق تحت اسم “ماسة دول”.
وأضافت: اليوم أشعر بالفخر لأن مشروعي أصبح نموذجاً لمشروع نسائي ناجح يخلق فرص عمل ويمنح النساء الأمان الاقتصادي، أؤمن أن البدايات المدروسة تصنع مشاريع كبيرة وأن التسويق الذاتي يمكن أن يتحول إلى علامة تجارية مؤثرة.
ولفتت إلى أنها أسست “همسة ستوديو” من الصفر وبدأت بتدريب نفسها على الإدارة وتخطيط المشاريع، مؤمنة أن الاستثمارات القادمة في سوريا بحاجة إلى مهندسين محليين يفهمون السياق والبيئة، ولهذا أحرص على أن يكون صوت المرأة حاضراً في إعادة إعمار المدن السورية، وحلمي أن نبني مدناً تشبهنا وتحتضن طموحاتنا، أؤمن أن المرأة يجب أن تكون جزءاً من التخطيط العمراني والتنمية المستدامة.
تدريب من أجل طفولة سليمة
السيدة رفيدة مكي، تحدثت كيف انطلقت من فكرة بسيطة تهدف إلى تأهيل الطفل نفسياً ليعيش طفولة صحية، وبينت أنه خلال عامين استطعت تدريب 1200 مدرب ووصلت جهودنا إلى أكثر من 50 ألف طفل، استخدمت الذكاء الصناعي لتطوير أدوات التدريب ونجحت في دمج الابتكار مع الاهتمام بالطفولة.
وأؤمن أن التعليم والتأهيل النفسي للأطفال هما حجر الأساس لمجتمع سليم وأن الاستثمار الحقيقي في الإنسان يبدأ من السنوات الأولى.
بين محبتها لهذا العالم، قالت السيدة آيات الحموي: لطالما شدني الفرق بين ريادة الأعمال والعمل المؤسساتي، وأنه في المؤسسات هناك هيكلة صارمة وتحديات متعددة لكنني وجدت نفسي في هذا العالم، وأؤمن أن القيادة تعتمد على الظرف وأن النجاح في المؤسسات يتطلب فكراً إدارياً عميقاً خاصة في التعامل مع المرأة.
وقالت: أسعى دائماً لرؤية الأثر وأؤمن أن التحديات لها طرق علاج متعددة، وأنه لا يوجد شكل واحد للحقيقة، وتجربتي تعكس فهماً عميقاً لطبيعة العمل المؤسسي وأهمية التوازن بين القواعد والمرونة.
النجاح رغم التحديات
في ختام الورشة تم تكريم السيدات المشاركات، وأكدت السيدة ٱلاء سوقية أننا في بلد يسعى للنهوض من أزماته، وهنا يتبين دور المرأة السورية كقوة تغيير حقيقية، ومن خلال ريادة الأعمال، تصنع النساء فرصاً، وتبني مؤسسات، وتقدم حلولاً مبتكرة.
ولفت إلى أن ورشة “النساء في عالم الأعمال” ليست مجرد فعالية، بل شهادة على قدرة المرأة على تحويل الفكرة إلى إنجاز، وعلى أن النجاح ممكن رغم التحديات.
وختمت قولها: معاً نبني سوريا الجديدة بسواعد نسائها وأفكارهن وإصرارهن على أن يكنّ جزءاً فاعلاً في كل مرحلة من مراحل التنمية، فكل فكرة تحمل بذرة نجاح، وكل امرأة قادرة على أن تكون رائدة في عالم الأعمال والمهن.