الثورة-مها دياب:
في زمن تتعاظم فيه التحديات الاجتماعية والاقتصادية، وتتشابك فيه خيوط الواقع السوري، يبرز الحوار كأداة نبيلة لإعادة بناء الثقة، وترميم النسيج الوطني، وإحياء روح المسؤولية الجماعية.
من هذا المنطلق، جاء اللقاء الحواري الذي حمل عنوان “معاً نبني سوريتنا”، ليكون أكثر من مجرد فعالية، ومنصة حقيقية لتلاقي القلوب والعقول واستنهاض الطاقات المجتمعية في سبيل بناء سوريا المستقبل.
هذا اللقاء الذي أقيم بتنظيم مشترك بين أبرشية عكار الأرثوذكسية ومطرانية صافيتا، بالتعاون مع جمعية النهضة، وبحضور رسمي تمثل بوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات، شكّل نموذجاً فريداً للتكامل بين المؤسسات الرسمية والدينية والأهلية، في مشهد يعكس نضجاً وطنياً ووعياً عميقاً بأهمية الشراكة المجتمعية.
شراكة من أجل التنمية
في كلمتها خلال اللقاء، شددت الوزيرة قبوات على أن المرحلة المقبلة تتطلب تكاتفاً غير مسبوق بين مختلف الجهات الفاعلة في المجتمع السوري.
وأكدت أن شعار اللقاء “معاً نبني سوريتنا” ليس مجرد عبارة، بل هو دعوة صريحة لتوحيد الجهود، وتعزيز روح المسؤولية الجماعية، بعيداً عن الاصطفافات الضيقة.
وأضافت: إن التنمية الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال التعاون بين المؤسسات الرسمية والهيئات الأهلية والدينية، مشيرة إلى أن هذه الشراكة توجِد بيئة حاضنة للمبادرات المجتمعية، وتمنحها الشرعية والدعم اللازم للاستمرار والتأثير.
جسر نحو السلم الأهلي
لم يكن اللقاء مناسبة لتبادل الكلمات فقط، بل جسّد حالة حوارية حقيقية بين أطياف المجتمع السوري، إذ شارك فيه ممثلون عن جمعيات أهلية ورجال دين، وناشطون اجتماعيون، ناقشوا أبرز التحديات التي تواجه المجتمع السوري اليوم، من الفقر والبطالة، مروراً بضرورة تعزيز ثقافة التسامح والانتماء.
وقد تم التأكيد خلال النقاشات على أن السلم الأهلي لا يبنى بالقرارات فقط، بل بالحوار من القاعدة الشعبية، وبالاستماع إلى هموم الناس، وإشراكهم في صياغة الحلول.
وهنا يبرز الدور الحيوي للمؤسسات الدينية، التي تمتلك تأثيراً روحياً وأخلاقياً عميقاً، يمكن أن يوظّف في خدمة المصالحة الوطنية وتعزيز قيم المحبة والتسامح.
القوة الناعمة الداعمة
ومن أبرز النقاط التي تناولها اللقاء، كان الحديث عن دور الجمعيات الأهلية في دعم التنمية الاجتماعية، حيث تم عرض نماذج ناجحة من مبادرات محلية، استطاعت أن تحدث فرقاً ملموساً في حياة الناس، سواء عبر تقديم الدعم النفسي، أو تنظيم حملات توعية، أو توفير فرص تدريب وتشغيل.
وقد تم التأكيد على أن العمل الأهلي هو القوة الناعمة التي تلامس احتياجات الناس مباشرة، وتبني الثقة من القاعدة، ما يجعله شريكاً أساسياً في أي مشروع وطني للتنمية أو المصالحة.
إعادة تعريف الهوية الوطنية
ماجاء في اللقاء فتح الباب أمام إعادة التفكير في مفهوم الهوية الوطنية، بعيداً عن الانتماءات الضيقة، وبما يعكس التنوع السوري الغني.
فقد شدد المشاركون على أن سوريا لا تبنى إلا بأبنائها جميعاً، وأن الانتماء الحقيقي هو للوطن، لا للطائفة أو المنطقة أو الحزب.
و تم التأكيد على طرح أفكار حول ضرورة إدماج الشباب في الحوارات المجتمعية، وتفعيل دورهم في صياغة المستقبل، باعتبارهم الفئة الأكثر تضرراً من الأزمات، والأكثر قدرة على التغيير إذا ما أعطيت لهم الفرصة.
خطوات نحو المستقبل
في ختام اللقاء، خرج المشاركون بتوصيات عدة، أبرزها:
تعزيز الشراكة بين المؤسسات الرسمية والدينية والأهلية في كافة المحافظات السورية، وإطلاق منصات حوارية دورية تجمع مختلف مكونات المجتمع، ودعم المبادرات الشبابية والمجتمعية التي تساهم في بناء السلم الأهلي، والتأكيد على ضرورة تطوير برامج تدريبية مشتركة في مجالات التنمية والمصالحة والدعم النفسي.
المحبة في سوريا
في بلد أنهكته الحرب، وتفرقت فيه السبل، تبقى المحبة هي الجسر الوحيد الذي لا يهدم.
و لقاء “معاً نبني سوريتنا” أعاد التذكير بأن سوريا ليست مجرد أرض، بل هي قصة أناس يحبونها، ويحلمون بها، ويؤمنون بأنها تستحق الأفضل.
فالمحبة في سوريا ليست شعاراً، بل هي فعل يومي، يتجلى في التضامن، والتكاتف، والحوار، وفي كل يد تمتد لتبني لا لتهدم.
ومن هنا نؤكد على أن مثل هذه اللقاءات ليست فقط ضرورية، بل مصيرية، لأنها تزرع بذور الأمل، وتعيد رسم ملامح وطن يستحق الحياة.