يمن سليمان عباس
اليوم قبل أي وقت آخر علينا أن نقدم قبسات من حيوات المبدعين الذين نذروا أعمارهم من أجل الأرض والإنسان وكان دمهم حبرهم.
لم يهادنوا لم تغرهم الدنيا وزخارفها ولاما فيها من ألقاب ومتع..
وكانت الشهادة دربهم ..
كمال ناصر الشاعر العربي المناضل الذي آمن ببعثها من رقادها وتحريرها من نير المستعمر.
محطات
(ولد كمال بطرس ناصر، عام 1925 في غزة، من أسرة عريقة من بلدة “بيرزيت” بقضاء رام الله، وقد أعاده والده بطرس ناصر إلى بلدته، وأنهى تعليمه الثانوي عام 1941 في كليّتها المشهورة (جامعة بيرزيت اليوم)، ومنها انتقل إلى الجامعة الأميركية في بيروت ونال الإجازة في الآداب عام 1945.. ثم عاد إلى فلسطين وعمل أستاذاً للأدب العربي في القدس عام 1946، وخلال عمله درس الحقوق في معهد الحقوق الفلسطيني، مدة أربع سنوات، ثم عمل في الكلية الأهلية برام الله.
يقول موقع موقع ٢١ :
بعد النكبة الفلسطينية عام 1948، أصدر كمال مع عدد من زملائه جريدة يومية باسم “البعث”، ثم أصدر بمفرده مجلة أسبوعية باسم “الجيل الجديد” عام 1949، لكن السلطات الأردنية عطلتهما.. وانتسب عام 1952 لحزب البعث العربي.. عمل في الكويت سكرتيراً للشيخ فهد السالم الصباح، ثم زار بغداد وعاد إلى القدس عام 1953.. وتولى رئاسة تحرير جريدة فلسطين اليومية في القدس، وانتُخب عام 1956 عضواً في مجلس النواب الأردني.
تعرض للاعتقال مراراً، وبعد اختفائه 15 شهراً، اضطر للخروج من الأردن عام 1957، إلى دمشق حتى عام 1965 حينما صدر العفو العام.
سافر إلى باريس، وهنا نظم ديوانه “أغنيات باريس” ومسرحية “التنين” ثم عاد إلى دمشق عام 1966، ثم هرب إلى بيروت، لكن السلطات اللبنانية أبعدته مجدداً إلى الأردن..
كان في الضفة الغربية عندما وقعت النكسة في حزيران 1967، فاعتقلته قوات الاحتلال في سجن رام لعدة أشهر، ثم أبعدته إلى الأردن في كانون الأول ١٩٦٧.
بعد خروجه من السجن، انتظم في الكفاح المسلح الفلسطيني وأوفدته منظمة التحرير الفلسطينية للقاء البابا في الفاتيكان، لمحاولة إقناعه بحق الفلسطينيين في القدس.. وأصبح عضواً في اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1969.. وكان مسؤولاً عن دائرة الإعلام والتوجيه القومي في الثورة الفلسطينية، وتسلم رئاسة تحرير مجلة “فلسطين الثورة” سنة 1972.
أرق نشاطه وكفاحه العدو الصهيوني وأقض مضاجعهم فاغتالته فرقة من الموساد الإسرائيلي مع رفيقيه في منطقة فردان في بيروت عام 1973.. ودُفن حيث أوصى، في مقبرة شهداء الثورة الفلسطينية في بيروت بجانب قبر صديقه ورفيقه غسان كنفاني.
أعماله
صدر للشاعر كمال ناصر عدة مجموعات شعرية، منها: جراح تغني، بواكير، خيمة في وجه الأعاصير، أنشودة الحقد، أغنية النهاية.. وجمع الدكتور إحسان عباس الآثار الشعرية الكاملة للشاعر.
كما جمع له ناجي علوش الآثار النثرية (مقالات وكتابات متنوعة) في بيروت 1974.
وحسب النقاد كان كمال ناصر شاعراً ملتزماً، كما يقول معجم البابطين، ينمّ نتاجه الشعري على التزامه بقضايا النضال والعمل الفدائي، جمع بين الاعتماد على العروض الخليلي، وشعر التفعيلة، غلب على قصائده صور الثوار والمناضلين ومشاهد الباحثين عن الحرية، ارتبطت في جملتها بوقائع النضال الفلسطيني، استخدم لغة ذات نبرة تحريضية وثيقة الصلة بلغة الحياة اليومية.
مختارات..
له العديد من القصائد المتميزة منها قصيدة “اللعنة”، التي فيها تحاكي قصيدة بدر شاكر السياب (عيناك غابتا نخيل)، فيقول:
عيناكِ خيمتان ترويانِ.. أسطورةَ الضياع في الزمان
وتَعمُقان في دُجى الحِرمان.. وتُصلَبان في ذُرا المكان
على أديم الهجر والنسيان!!.. عيناكِ خيمتان للعذابِ
تطلّ منهما رؤى المصاب.. جريمةُ التاريخ والأحقاب
وغفلةُ الأصحاب والأحباب.. في موكب النِّزال والغِلاب
عيناكِ خيمتان للصراعِ.. مغموستان في دم الجياع
لحنٌ كئيبٌ موحش الإيقاع.. تعزفه قيثارةُ الأوجاع
ومن قصيدة
” “الشعب أقوى”:نختار :
الشعبُ أقوى والتفَتُّ فلم أجد حولي سِوايا!
الماءُ، والزاد القليل، وثورةٌ بين الحنايا
وبقيةٌ من ذكرياتي البيض في إحدى الزوايا
تَجترُّني قَلقًا، فأدفعها، فتجذبني البقايا
وتَشيلُني بين الرؤى السوداء، تضحك من رؤايا!!
الشعبُ أقوى والتفَتُّ فلم أجد حولي سوايا
وحسب الدراسات النقدية فإن قصيدته “الوصية الأخيرة” تنبىء بموته المفاجئ، :
حبيبي!
إذا ما أتاك الخبرْ
وكنتَ وحيداً
تداعب بين يديك وحيدي
وتهفو لموعدنا المنتظرْ
فلا تَبكني، إنني لن أعودْ
فقد هان عبر بلادي الوجودْ
ذليلاً، جريحاً
ورنَّ بأذني، نداءُ الخطرْ
حبيبي!
إذا ما أتاك الخبرْ
وصاح النُّعاةْ
يقولون مات الوفيُّ، وغِيضَت رُؤاه
ونام العبيرُ بحضن الزَّهَرْ
فلا تبكِني، وابتسمْ للحياه
وقل لوحيدي، لأني أحب وحيدي
أبوكَ رؤى شعبهِ
أضاءت دُجى قلبهِ
وحطَّت على دربهِ
شظايا فِكَرْ
رأى الظلمَ يُدمي رُباه
فثار إلى مُبتغاه
ومن قصيدة
لن نستريح نقتطف:
والشعب دام جريح،
والقيد في المعصم،
والحقد ملء الدم،
ودربنا شاحب الأنجم، يضع بالآثم المجرم،
لن نستريح، ونحن في مأتم،
في حالك مظلم،
لن نستريح لن نستريح
إنها قصة شعب ضللوه
ورموه في متاهات السنين
فتحدى وصمد
وتعرى واتحد
ومضى يشعل ما بين الخيام
ثورة العودة في دنيا الظلام
رأى الظّلمَ يُدمي رُباه
فثارَ إلى مبتغاه
وكانَ شهيداً، وكلُّ شهيدٍ إله
تسامى، فلوّن معنى الصّلاة
وعمّق من وحيِها وابتكرْ
فسالتْ نضالاً دِماه