بعد الإقصاء والمحسوبيّات.. نقابة الفنانين تكسر القيود وتعلن إشراقة جديدة

الثورة – حسين روماني:

تبدو نسبة النجاح في اختبارات الانتساب إلى نقابة الفنانين في سوريا لهذا العام لافتة بكل المقاييس، فقبول 1350 متقدماً في اختصاصات متنوعة، من تمثيل وغناء وموسيقا، إلى الفنون الشعبية ومهن الإخراج وسائر المهن المرتبطة بالسينما والدراما والمسرح، لا يعكس مجرد توسّع إداري أو فتح أبواب جديدة للانتساب، بقدر ما يشير إلى تحوّل نوعي في فلسفة النقابة ذاتها. فالنقابة، التي ظلّت لسنوات مرادفاً للبيروقراطية والجمود، تسعى اليوم إلى إعادة تعريف علاقتها بالفنان السوري، سواء في الداخل أو الخارج، عبر آليات أكثر انفتاحاً وعدلاً وشفافية.

في حديث خاص لـ “الثورة”، أوضح مسؤول مكتب العلاقات العامة في النقابة، المخرج زهير قنوع، أنّ هذا العام شهد إجراءات غير مسبوقة، أبرزها رفع شرط العمر عن المتقدمين، كـ”خطوة استثنائية لردّ المظالم” وإتاحة الفرصة أمام من تجاوزوا سن الأربعين لاستعادة حقهم في الانتساب.

كما فتحت النقابة الباب أمام كل المهن الفنية بعد أن كان التنسيب يقتصر سابقاً على التمثيل والموسيقا والغناء والفنون الشعبية ومساعدي الإخراج، في حين جرى العمل على توسيع الخدمات الطبية، ورفع سقف التعويضات، وتأسيس فرقة مسرحية تابعة للنقابة، فضلاً عن إطلاق مشروع أتمتة العمل الإداري وتحديث الهوية البصرية للمؤسسة.

المعنى الجمعي

في المقابل، تعكس شهادات الناجحين في الاختبارات هذا العام جانباً وجدانياً وإنسانياً لا يقلّ أهمية عن البعد الإداري.

الفنانة رزان تامر، التي قُبلت كمطربة متمرنة، تصف تجربتها بأنها “محطة مفصلية في مسيرتها”، إذ حاولت أمام اللجنة “أن تقدّم خلاصة تجربتها بين اللونين الشرقي والغربي”، مضيفةً: إنّ قبولها “ليس مجرد لقب مهني، بل انتماء إنساني ومعنوي إلى مؤسسة رسمية تمثل وجدان الفن السوري”.

ورغم عملها في الخارج، تعتبر تامر أنّ انضمامها للنقابة هو “شهادة ثقة ورسالة مسؤولية”، مشيرةً إلى أن النقابة تغيّرت في نظرتها إلى الأجيال الشابة، وصارت “تحتضن الطاقات الجديدة وتشجّع الأصوات القادرة على الإضافة”.

شهادة أخرى تحمل طابعاً أكثر درامية، يقدّمها الممثل أحمد حجازي، الذي يسرد رحلة طويلة بين القبول والإقصاء استمرت أكثر من عقد، فبعد أن قُبل متمرّناً عام 2012، جرى فصله نهائياً عام 2016 “دون معرفة الأسباب”، كما يقول، لكن مع إعادة فتح باب الانتساب، أعاد المحاولة قبل بلوغه الأربعين بقليل ليصبح عضواً متمرناً في 2022. واليوم، تقدّم لاختبارات نقل العضوية وبعد صدور النتائج أصبح عضواً دائماً.

يعتبر حجازي أن مبادرة النقابة بفتح الباب أمام الأعمار المتقدمة “تمثل نقطة تحوّل حقيقية”، ويرى فيها “ردّ اعتبار للفنانين الذين ظلموا في السابق”، ويضيف: “حين تعترف نقابة بلدي بي كفنان، فذلك بحد ذاته قيمة معنوية ومهنية لا تقدّر بثمن”.

ما وراء الأرقام

يرى الصحفي والناقد طارق العبد أنه بعيداً عن قصص الأفراد، تعكس نسبة النجاح العالية مؤشراً مركباً، فقال: “من جهة، هي ثمرة إعادة هيكلة داخلية تهدف إلى توسيع قاعدة العضوية بعد سنوات من الانكماش والانتقائية، ومن جهة أخرى، هي محاولة لبلورة هوية جديدة للنقابة قوامها الشفافية والانفتاح، لا الإقصاء والمحسوبيات.

فالنقابة، التي كانت – في أذهان كثيرين- مؤسسة مغلقة تُدار بمنطق إداري صارم، تبدو اليوم في طور التحول إلى جسم نقابي فاعل يسعى لإعادة الاعتبار لدور الفنان بوصفه شريكاً في بناء الوعي الثقافي، لا مجرد منتسب يبحث عن بطاقة أو امتيازات”.

ومع ذلك، تبقى الأسئلة المقلقة مطروحة، فالصحفي طارق العبد يتساءل: هل تشكّل هذه التغييرات مرحلة انتقالية نحو انتقاء نوعي حقيقي يُعلي من قيمة الموهبة والكفاءة؟ أم أنها مجرد انفراجة مؤقتة لاحتواء الغضب المتراكم لدى الأجيال التي همّشتها شروط النقابة سابقاً؟، ثم إلى أي حدّ تستطيع المؤسسة – بمواردها المحدودة – أن تواكب هذا التوسع الكبير في العضوية بخدمات فعلية وتغطية عادلة لجميع المنتسبين؟

نقابة بين صورتين

يؤكد الناقد طارق العبد أن الصورة التي تخرج من هذا المشهد مزدوجة. فمن جهة، هناك نقابة تتغيّر، تفتح نوافذها على الهواء، وتعيد صياغة علاقتها بأعضائها ومجتمعها الفني. ومن جهة أخرى، هناك إرث ثقيل من البيروقراطية والتفاوت في الخدمات، ما يجعل التحدي الأكبر هو ترجمة هذه الإصلاحات إلى واقع ملموس لا يقتصر على البيانات والتصريحات.
فإن كانت نسبة النجاح هذا العام قد عكست رغبة في التجديد، فإن الاختبار الحقيقي سيبدأ الآن مع أول ملف إداري، وأول مشروع إنتاجي، وأول موقف نقابي في مواجهة انتهاك أو تهميش.
لقد خطت نقابة الفنانين السورية خطوة واسعة في طريق الإصلاح المؤسسي، لكن نجاحها لن يُقاس بعدد المنتسبين الجدد، بل بقدرتها على أن تكون بيتًا فعليًا للفنانين، يحميهم ويدافع عن حقوقهم ويصون كرامة المهنة، وأن تجعل من الفن السوري، في زمن الأزمات، مساحة أمل لا مجرد بطاقة عضوية.

آخر الأخبار
كورنيش الإذاعة بحلب.. "كافيتيريات" تحتلّ الأرصفة وتبيع أملاك الدولة للمواطنين مازال هشّاً.. تراجع تدريجي في معدلات التضخم ومقترحات إنقاذية "الزراعة" تنظم موسم قطاف الزيتون على إيقاع المناخ دور شبكات الربط الكهربائي العربي في تعافي الطاقة الكهربائية وزير التعليم العالي: البيانات طاقة وطنية تبني مستقبل سوريا اجتماع تشاوري في طرطوس يناقش إعادة تفعيل المديرية العامة للموانئ دور تصحيح الرواتب والأجور في حساب تحسين الظروف المعيشية جمود عقاري في طرطوس.. واتجاه نحو الاستثمار في الذهب كملاذ آمن محافظ دمشق: العدالة أساس الدولة الجديدة والمرسوم 66 قيد المراجعة التشريعية اللجنة العليا للانتخابات تحدّد موعد الاقتراع في تل أبيض ورأس العين "التعليم العالي" تعلن متابعتها مطالب طلاب كلية الحقوق في جامعة دمشق البكور: السويداء تتلقى القوافل دون انقطاع وصرف الرواتب مستمر باراك: سوريا ولبنان القطعتان التاليتان في مسار السلام بالشرق الأوسط استعادة الثقة من خلال مصالحة ضريبية ومنظومة إلكترونية للجباية "فتح سجل الفروغ" انفراجة تُنهي سنوات من النزاع انتخابات اتحاد كرة القدم مهددة بالتزكية ! هل يأتي الأفضل أم يستمر العبث ؟ نقطة تحول لبناء جسور التعاون الاقتصادي السوري - الأميركي "الجوال".. أدة ذكية أم سجن رقمي كيف نحقق التوازن؟ افتتاح مراكز جديدة لتعزيز الخدمات الطبية في ريف إدلب كيف نحسن فهم عواطفنا في عالم مليء بالاضطراب؟