الثورة:
أكد السفير الأميركي توم باراك أن سوريا ولبنان تمثلان “القطعتين التاليتين في فسيفساء السلام الإقليمي”، مشيراً إلى أن المرحلة الراهنة من التحوّلات في الشرق الأوسط تفتح الباب أمام تسوية شاملة تمتد من غزة إلى دمشق فبيروت، في إطار رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجديدة للسلام والتنمية.
قال باراك، في مقال تحليلي نُشر عقب قمة شرم الشيخ للسلام في الثالث عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2025، إن الاجتماع الذي جمع قادة العالم شكّل “لحظة فارقة في الدبلوماسية الشرق أوسطية”، مشيراً إلى أن ما بدأ كهدنة في غزة تحوّل إلى مشروع سلام إقليمي متكامل يقوم على عشرين نقطة أعلنها الرئيس ترامب لإعادة الإعمار وتعزيز التكامل الاقتصادي.
وأوضح أن إدارة ترامب تبنت سياسة “السلام من خلال الازدهار”، معتبراً أن ما يجري حالياً يمثل انتقالاً من منطق الإكراه والعقوبات إلى منطق الشراكة والتعاون، وهو ما ينعكس – بحسب قوله – على الملف السوري بشكل خاص.
وصف باراك سوريا بأنها “القطعة المفقودة في بناء السلام”، مؤكداً أن استقرارها يشكل اختباراً حقيقياً لقدرة النظام الإقليمي الجديد على الصمود. وقال إن الشعب السوري “لا يمكن أن يظلّ رهينة لعقوباتٍ وقيودٍ وُضعت في زمن الحرب”، في إشارة إلى قانون قيصر الذي فرضته واشنطن عام 2019 ضدّ نظام الأسد المخلوع.
وأضاف أن مجلس الشيوخ الأمريكي أظهر “بُعد نظرٍ سياسي” بتصويته على إلغاء القانون، داعياً مجلس النواب إلى استكمال الخطوة نفسها، لأن “سوريا الجديدة بعد ديسمبر 2024 ليست سوريا 2019”. وأكد أن رفع العقوبات ليس منحة، بل “استراتيجية تحرّك الاستثمار الدولي لإعادة بناء البنية التحتية والكهرباء والمياه والمدارس والمستشفيات”، وأن النشاط الاقتصادي هو “الدواء الحقيقي للتطرف”. وأشار إلى أن القيادة السورية الجديدة، برئاسة الرئيس أحمد الشرع، شرعت منذ توليها الحكم في “مسار مصالحة شاملة أعادت العلاقات مع تركيا والسعودية والإمارات ومصر وأوروبا، وفتحت حواراً حدودياً مع إسرائيل”، وهو ما اعتبره “تحوّلاً تاريخياً يضع دمشق مجدداً على خريطة الدبلوماسية الدولية”.
وفي ما يتعلق بلبنان، قال باراك إن استقرار سوريا يهيئ الأرضية لاستكمال الخطوة الثانية من معادلة السلام، والمتمثلة في “نزع سلاح حزب الله وبدء مفاوضات أمنية وحدودية مباشرة مع إسرائيل”.
وأشار إلى أن اتفاق وقف التصعيد الذي رعته إدارة بايدن عام 2024 “فشل في تحقيق سلام فعلي”، بسبب غياب آلية تنفيذ و”استمرار تمويل إيران لحزب الله” مما أدى إلى شلل حكومي وانقسام طائفي في لبنان.
ورأى باراك أن الظروف الحالية تجعل من نزع سلاح حزب الله “ضرورة مزدوجة”، فهو من جهة “مطلب أمني لإسرائيل”، ومن جهة أخرى “فرصة للبنان لاستعادة سيادته وإنعاش اقتصاده”. وأكد أن الولايات المتحدة وفرنسا تعملان على خطة جديدة تدعم الجيش اللبناني، وتربط المساعدات الاقتصادية بإجراءات نزع السلاح التدريجي بإشراف دولي.
حذر السفير باراك من أن أي محاولة لتأجيل الانتخابات اللبنانية المقررة في مايو/أيار 2026 “ستؤدي إلى فوضى داخلية غير مسبوقة”، معتبراً أن “ذريعة الحرب أو الأمن القومي لا يمكن أن تكون مبرراً لتعطيل الحياة السياسية”.
وقال إن تأجيل الانتخابات سيقوّض الثقة بالدولة اللبنانية ويعيد إشعال الانقسام الطائفي، محذراً من أن البلاد قد تواجه “انهياراً مؤسسياً كاملاً” إذا استمرت الهيمنة الميليشياوية على القرار السياسي.
ورأى باراك أن “اكتمال مسار السلام الإقليمي لن يتحقق إلا عبر استقرار سوريا وتعافي لبنان”، مضيفاً أن اتفاقيات إبراهيم الموسّعة باتت أقرب من أي وقت مضى، وأن السعودية تستعد للانضمام الرسمي إليها، مما سيجعل “التحالف الجديد في المشرق العربي خياراً لا يُقاوم مدفوعاً بالازدهار لا بالإكراه”.
وأكد أن الولايات المتحدة، من خلال تعيين السفير ميشال عيسى في بيروت الشهر المقبل، تسعى إلى مرافقة لبنان في هذه المرحلة الحساسة ودعم خطواته نحو الإصلاح، وختم باراك تصريحه بالقول: “لقد آن الأوان لمنح سوريا فرصة، ولمساعدة لبنان على اتخاذ القرار الشجاع. فقط حين تلتئم هاتان القطعتان تكتمل فسيفساء السلام في بلاد الشام”.