باتت كلمة المليون والملايين عادية في الحديث اليومي لكل مواطن، إذ أصبحت الأسعار أكثر توحشاً وتغوّلاً من السابق وكل يوم عما قبله، وذلك بطبيعة الحال لا يعني أن المواطن يتعامل مع الكلمتين من باب المقدرة، بل من باب عدم القدرة للحصول على المبالغ الكبيرة وهذا الأمر لا يتوقف لحظة منذ سنة تقريباً وحتى اليوم.
مازلنا نفكر بمنطق الآلاف في حين أن الواقع يتحدث بالملايين، وذلك في حقيقته المبسّطة وفقاً لكل أدبيات الاقتصاد والأسواق والنقد هو التضخم الذي لم يبق ولم يذر شيئاً من ماء وجه المواطن والملاءة المالية شديدة الرقة والهشاشة التي كانت تغطيه، فالمليون كلمة طبيعية في الحديث عن سترة أو حذاء أو حتى مرآة، في حين أن المليون ذاتها لا تزال بصعوبة التحصيل نفسها كما كان حالها قبل السنة الحالية.
لا أحد يعرف على وجه الخصوص ما الذي جرى حتى انهارت الأمور بهذه الطريقة، سوى معرفتنا بآثار الحرب والحصار، ولا أحد يعرف على وجه التحديد كيف تمكنت الأسعار من ناصية الأجهزة التنفيذية التي يفترض بها متابعة الأمر بدءاً من تكلفة الاستيراد وحتى التسعير في المحال لدى الباعة.
لا بد من حل.. فالوضع مزرٍ بحق، والمستوى المعيشي للمواطن ينحدر يوماً بعد يوم، فرغم كل الوحشية السعرية والأرباح التي يصل أقلها إلى 200 و300% شهد الأسبوع المنصرم ارتفاعاً جديداً في الأسعار بنسبة تقارب 50%، ولم يتحدث بها أحد ولم يشر إليها أحد ولو من باب رفع العتب كما كان دأب هذا “الأحد” خلال موجات الغلاء الماضية وحتى الأخيرة قبل نحو شهر.
ما النتيجة التي يمكن أن تصل إليها الأحوال بعد ارتفاعين جديدين مثلاً للأسعار الفاحشة حالياً؟
بل ما الترقيعات الممكنة والحال كذلك في ظل أجور شهرية لا تكفي يوماً واحداً لمعيشة أسرة من ثلاثة أشخاص فقط وليس أكثر في بلاد كان معدل نموها البشري الأعلى في العالم؟
الخاص بات يسيطر على كل شيء، والخدمات في تراجع مستمر بدءاً من المبيدات التي امتنعت البلديات عن رشها لمكافحة الحشرات التي تغزو الأزقة والشوارع، وصولاً إلى الكهرباء والماء وكل ما من له صلة بالمواطن وحياته اليومية، في حين يتغوّل الخاص ويتمدد وأسعاره كاوية ورسومه خيالية.. والجميع متفرّج وكأن الأمر لا يعنيه، بل كأنهم متفرجون في مباراة بين بطل العالم في الملاكمة وآخر هزيل نحيل تفتك به الأمراض.