الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
على مدى سبعة عقود، عانى الشعب الفلسطيني من الظلم المتمثل في حرمانه من حقه في تقرير المصير، بينما يعاني من الاحتلال الوحشي والقمع الإسرائيلي، وإن التصعيد الأخير للعنف في غزة يشكل مظهراً من مظاهر هذا المأزق السياسي الذي طال أمده، إن تواطؤ الساسة الأميركيين في خلق وإدامة هذا المأزق، من خلال دعمهم غير المشروط لإسرائيل وتجاهلهم للقانون الدولي، أمر لا جدال فيه.
يمكن للمرء أن يرى مدى عمق وتعقيد هذه الأزمة من خلال النظر إلى تصرفات وتصريحات بعض المسؤولين الأميركيين، على سبيل المثال، اقترح جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق في عهد ترامب، “حل الدول الثلاث” وإنه يجب القضاء على فلسطين، وأنه ليس لها الحق في تشكيل حكومة، وأن المناطق المتبقية التي يعيش فيها النازحون الفلسطينيون يجب تقسيمها وإتباعها لمصر والأردن وتبقى “إسرائيل”، وهذا يوضح مدى عدم المسؤولية والتحيز الذي يتعامل به بعض المسؤولين الأمريكيين مع هذا المأزق السياسي منذ عقود طويلة.
ولا يقتصر دور ونفوذ الحكومة الأميركية والسياسيين في الشرق الأوسط على هذه التعليقات، فالولايات المتحدة هي التي تمكن وتشجع “إسرائيل” على التصرف بثقة وتجاهل للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
وبحسب الإحصائيات المتوفرة، قامت “إسرائيل” ببناء ما لايقل عن 250 مستوطنة غير قانونية في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث يعيش ما يقرب من مليون إسرائيلي في انتهاك سافر لحقوق الشعب الفلسطيني.
لقد دأبت الولايات المتحدة على حماية “إسرائيل” من مواجهة أي تداعيات قانونية أو سياسية لتصرفاتها على المستوى الدولي، وخاصة في الأمم المتحدة، فقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) لمنع ما لا يقل عن 53 قراراً يهدف إلى انتقاد أو إدانة تصرفات “إسرائيل” بطريقة ما، ومعالجة انتهاكاتها للقوانين والأعراف الدولية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باعتبارها أهم ركيزة للأمن الجماعي العالمي.
وقد اتبعت “إسرائيل”، التي تتمتع بالدعم الكامل من حليفتها الأميركية، سياسة الحقائق على الأرض. وفي الفترة من 7 تشرين الأول إلى 4 تشرين الثاني 2023، قُتل ما لا يقل عن 128 فلسطينياً في الضفة الغربية على يد الإسرائيليين، وهذا ينتهك الاتفاقيات القائمة التي تحظر أي وجود أجنبي في تلك المناطق تحت اسم المستوطنات الإسرائيلية.
علاوة على ذلك، أنشأت “إسرائيل” نظام الفصل العنصري الوحيد في العالم، حيث لا يتمتع الفلسطينيون بأي حقوق أو عدالة، وإذا قتل مستوطن فلسطيني، فلا يمكن للمحكمة الفلسطينية أن تحاكمه، ولكن إذا قتل فلسطيني مستوطناً، فإن قوانين الأمن الإسرائيلية تسمح بتدمير منزل الفلسطيني على رؤوس قاطنيه.
إنه نظام فصل عنصري منظم أدانه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مراراً وتكراراً، ولكن تم منعه دائماً بواسطة الفيتو الأمريكي.
وقد عارضت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 45 قراراً لمجلس حقوق الإنسان ضد تصرفات “إسرائيل” اللا إنسانية في السنوات القليلة الماضية.
ويواجه العالم أيضاً معايير مزدوجة، ومنذ عام 2008، قتلت “إسرائيل” وأصابت ما لا يقل عن 150 ألف فلسطيني، من بينهم 33 ألف طفل، لكن لاأحد يتحدث عنهم، ولا أحد يسميهم ضحايا! .
هذا في حين أن أي انتقاد لإسرائيل أو دعم لفلسطين يمكن أن يكلف الأكاديمي أو الصحفي وظيفته وسمعته، وهذا نتيجة اللوبي اليهودي القوي الذي يؤثر على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، كما قال ميرشايمر ووالتز في كتابهما.
بعد حرب غزة، كيف تستطيع الولايات المتحدة أن تزعم أنها نصيرة حقوق الإنسان؟ وكيف يمكن أن تبرر تدخلها في شؤون الدول الأخرى؟ وكيف يمكنها إقناع العالم بتمسكها بالقيم الإنسانية العالمية؟ وكيف يمكن أن تمنع حدوث حروب أخرى؟.
يواجه العالم تهديداً متزايداً بالعدوان من الولايات المتحدة وحلفائها، الذين يريدون إعادة تشكيل العالم في الثمانين عاماً المقبلة، كما قال بايدن في أحد خطاباته، لهذا تحتاج الدول التي تعارض هذه الخطة إلى تشكيل تحالفات لمنع الصراعات المستقبلية، ويتعين على العالم أيضاً أن يعارض الاحتلال، والانتهاكات الإقليمية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والحرب.
كما يجب على العالم أن يتخذ خياراً تاريخياً، هل سيكون ضحية للأجندة الأمريكية الإسرائيلية أم باحثاً عن السلام والتنمية؟ حان الوقت للاختيار الآن.
المصدر – أوراسيا ريفيو