الثورة – دمشق – محمود ديبو:
بضائع من مختلف الأشكال والأصناف والموديلات ملقاة على أرصفة الشوارع والأزقة والساحات فيها “الأطعمة والمشروبات والألبسة والأحذية الجديدة والمستعملة والبالة، والإكسسوارات والمكياجات والعطورات”، وكذلك “القرطاسية والدفاتر والأقلام وألعاب الأطفال والجلديات” وكذلك “الأدوات الكهربائية ومستلزماتها والهواتف النقالة واكسسواراتها” وكل ما قد لا يخطر ببال.
بسطات متلاصقة تحولت مع الزمن إلى أسواق ثابتة يقصدها المستهلكون بحثاً عن احتياجاتهم المختلفة بعد أن بات التسوق من المحال والمتاجر مغامرة بعيدة المنال، فالأسعار فيها وصلت إلى مستويات يعجز عنها الكثير من المستهلكين.
فمن مركز المدينة بدمشق تبدأ البسطات، وتحديداً منطقة البرامكة لتتصل مع أخواتها على امتداد جسر الرئيس وتحت الجسر، لترافق المارة على طول الشارع من مبنى جامعة دمشق إلى منطقة الحجاز، إلى شارع النصر فسوق الحميدية الذي يعتقد كل من يدخل إليه اليوم أنه سوق للبسطات، أو أن أصحاب المحال التجارية في السوق نقلوا بضائعهم من داخل محالهم إلى خارجها.
وعلى رصيف قلعة دمشق تتراصف البسطات التي تعرض بضائع وسلع متنوعة مروراً بشارع الثورة وتحت الجسر لتصل إلى حدود حمام القرماني والمنطقة المحيطة بالمرجة وهكذا..
ونحن هنا لا نتحدث عن البسطات بحد ذاتها، فلعلها جاءت لتلبي احتياجات الشريحة الأوسع من المستهلكين الذين فقدوا القدرة على مواكبة الأسعار في الأسواق التجارية، ليتحولوا إلى البحث عن الأسعار الأقل بغض النظر عن الجودة والمواصفة والنوعية.
ما نود الإشارة إليه هنا، هو تلك العبارة التي يجمع عليها الكثير من الباعة على تلك البسطات والتي ينادون بها بأعلى صوت “تصافي محلات” أي أن البضائع المعروضة هي كانت في محال تجارية وتمت تصفية المحل وجيء بها لتباع على البسطة بسعر أقل.
هي محاولة لتبرير رخص الأسعار على البسطات وإيهام المستهلكين بأنها سلع ومنتجات جيدة، وأن سعرها المنخفض لا يعني أنها سلع “بازارية” كما يقال أو تقليد للأصلية.
لكن الواقع يقول غير ذلك، فنسبة كبيرة من المنتجات المعروضة على البسطات لا تتوفر فيها أدنى مستوى من الجودة والمواصفة، ويبقى السؤال هنا من أين تأتي هذه المنتجات وأين يتم تصنيعها وهل تخضع لمراقبة الجهات المعنية قبل أن يتم طرحها في سوق البسطات..؟؟
ذلك أن الكثير من السلع المعروضة لا تحمل أي علامة تجارية أو حتى بطاقة مواصفة أو اسم المعمل.
اللافت في كل هذا حجم الإقبال الكبير على تلك البسطات وحجم المبيعات الكبير الذي تحققه تلك البسطات، فيما الأسواق التجارية تتشوق لدخول زبون، ما يؤكد وجود فجوة حقيقية تتسع باستمرار لتضيف في كل يوم زبائن جدد لعالم البسطات.
بكل الأحوال فإن هذا الانتشار الكبير للبسطات بكل هذه الكثافة وهذا التنوع غير المسبوق يمكن أن يحمل مؤشرا يؤكد التردي المستمر للأوضاع المعيشية واتساع شريحة المستهلكين من رواد البسطات والباحثين عن احتياجاتهم الضرورية بأسعار أقل، من دون النظر إلى الجودة والمواصفة.
ويبقى زبون البسطة هو الخاسر الوحيد لأنه مهما اعتقد نفسه بأنه يوفر من خلال شراء احتياجاته عن البسطة فهو في الحقيقة يخسر أمواله لأنه لا يحصل على السلعة الجيدة، وبالتالي هو يشتري الوهم معتقداً أنه حقق وفراً مادياً..