الثورة – عمار النعمة:
رحلة شعره طويلة عبر السنين, فهو الذي بدأ بكتابة الشعر منذ الصغر, ولد على شاطئ بحيرة طبريا عام 1938، ولجأ مع أسرته إلى دمشق بعد نكبة فلسطين عام 1948، وبزغ نجمه الشعري في أوائل الستينيات، وتألق بدءاً من العام 1968 مع قصيدته الرائعة (أنشودة الفارس الغريب) التي فازت بالجائزة الأولى في جامعة دمشق.
إنه الشاعر صالح هواري صاحب التجربة الغنية بقصائد الحب والوطن والكفاح والطفولة، فقد اختص بمجال القصيدة الغنائية في تجربة عميقة جعلت كبار المطربين يغنون من أشعاره.
اليوم نقف عند ديوانه المعنون (أم أحمد لا تبيع مواويلها) الذي سلطت الضوء عليه الشاعرة سمر يوسف الغوطاني في إضاءة نقدية, فقدمت دراسة عميقة للديوان بكل ما يحمله من جمال وحضور وكثافة للفكرة والمواقف التي أثبتت عبر السنين أصالة الشاعر النبيل, فهو حلقة من عمل طويل ودؤوب، ودليل على أن الرسالة مستمرة بقوة الأصالة وروح التجدد ووعي ضرورات المرحلة، مؤكدة على التعابير والمعاني التي خطها الشاعر في ديوانه حيث انطوت عليه أبعاد المقارنة والمقاربة، وتحريضاً للذائقة العامة التي تعني القراءة الفاعلة.
كل شيء للوطن, كل شي للقضية، ليس للروح ثمن فهي للأرض الأبية، بهذه الأبيات كان الأستاذ والشاعر صالح هواري يبدأ درسه لكل صف يدخله، ولذلك حرصت الغوطاني أن تضيء على كامل تداعيات القضية الفلسطينية، من خلال النصوص التي انتقتها من دون أن تهمل أي جانب فني وإبداعي.
وركزت الغوطاني في الانتقاء على الخطاب الثوري واستنكار الظلم والتأكيد على المقاومة، وتسليط الضوء على المؤامرات والاتكاء على البيئة المحلية في استنباط الصور والتركيب الفني.
فجاء في الديوان، عندما تكون للذاكرة جمرة تحرقها في كل وقت، فلا بد لكل الجسد أن يصحوا مستنفراً طاقته المقاومة، لأنه الروح الكلية المشكلة للوطن وعلى كل جزء منه أن يحمل همّه حتى الأطفال الصغار الذين ناداهم باسم العصافير.
يا عصافير غزة
لا تذهب اليوم للمدرسة
واحملي بدل المحفظة
صرة من هموم البلاد
فهذا الحشد الكبير سيتم لمكافحة عدو يقتحم أرض الوطن برصاصه وقواته.
لقد أقبلوا… اقبلي أنت
سدي الطريق عليهم.،
وردي الرصاص إلى نحره
ولصالح هواري تميزه وتفرده في صوغ العبارات الشعرية المبتكرة، وبراعته في توليد الصور الفنية المشحونة بظلال أحاسيسه وعواطفه، ولذلك ارتكزت الشاعرة الغوطاني على عاطفة صادقة وأسباب منطقية لتقدم دراسة متكاملة تلفت القارئ وتجعله يتتبع مسيرة الشاعر هواري المليئة بالزخم العاطفي المحمّل بحب الوطن والأرض والإنسان وصدق الانتماء.
وكتب أحمد علي هلال يشكل الاقتراب من المنجز الشعري لاستقصاء هوية علاماته على غير مستوى انطلاقاً من الاشتغالات الفنية ووصولاً إلى التقاط الثيمات الدالة في هذا المنجز، مساهمة قرائية تسعى للكشف عن مكونات هذا المنجز ومكونات نصوصه الشعرية التي تتفتح على حقول الدلالة, ولاسيما في قراءة ديوان الشاعر الفلسطيني صالح هواري والذي جاء بعنوان: “أم أحمد لا تبيع مواويلها”.
ويشكل الانتباه إلى سيرورة الفعل الشعري والحدث التصويري فضلاً عن الإشارات الدالة لجماليات الوصف والتصوير والاستعارة متناً بحثياً يعكس فعالية التذوق لقصائد الشاعر صالح هواري.
فأم أحمد رمز بالمعنى الجمعي والتي لم تبع أحلامها ستصبح أيقونة القصائد, وبتلك الدلالات المتحركة في داخل النسيج الشعري ومدى علاقته بمكونات المكان والتاريخ والذاكرة والجغرافيا، والحال أن تنكب فعاليات التناص في الديوان سيُحيل إلى البنى التوليدية الشعرية الجديدة، التي تعني لدى الشاعر التجاوز والانعطاف في سيرورة ديوانه الشعري من أجل إحراز بلاغة المعنى وإيحائه، فالمقاربة هنا لأشكال التعبير ومستوياته النحوية والبلاغية والدلالية ربطاً بتحولات القضية الفلسطينية ومآلاتها، سيعني فعالية قراءة منتجه للمعنى ومتتبعة لتحولاته في داخل النص الشعري عبر غير مستوى تقني لها (مستويات الإيقاع والصورة والموقف الشعري)، وما يمكن أن تشكله هذه القراءة المحايثة للديوان نسقاً وبنيةً فنية، سيضيف إلى معطيات الشعر في قراءته أيضاً للواقع الفلسطيني.. واقع القضية الفلسطينية عبر مكونات رموزها وأبطالها الذين سيتحولون إلى ايقونات شعرية تدل على قوة المثال في النقاط، وما يُعين على الوقوف على رؤيا الشاعر وانفتاح معجمه الشعري على ما يشكل مرجعية شعرية تستنهض فعاليات الدرس النقدي على غير مستوى.
يذكر أن الكتاب من منشورات اتحاد الكتاب العرب يقع في 120 صفحة من القطع المتوسط, وصالح هواري عضو اتحاد الكتاب العرب فاز بجوائز شعرية عديدة، وشارك في مهرجانات شعرية في سورية والوطن العربي، من كتبه للأطفال: عصافير بلادي وهنادي تغني وسلة الأغاني وهديل الحمام وبلادنا وكتاب المهن وقطار الفرح، ومن كتبه للكبار مرايا الياسمين ولا تكسري الناي وغيرها، إضافة إلى نشاطات مختلفة.