عندما نتحدث عن المحتوى التافه على منصات التواصل الاجتماعي التي تشهد زيادة كبيرة في الكمية منه ليس بالضرورة أن نغفل أهميتها فيما توفره من فرص للتواصل بين الناس، ومشاركة الأفكار والمعلومات، وهذا المحتوى التافه تسمح له هذه المنصات بالتمدد، والانتشار، وبالتالي التأثير على المستخدمين بشكل سلبي.
يُعرّف المحتوى التافه على منصات التواصل الاجتماعي بأنه ذلك الخفيف، والترفيهي الذي يهدف إلى جذب الانتباه، وتوليد التفاعل بين المستخدمين، وغالباً ما يتميز بالسطحية، وعدم الفائدة إلا أنه يتم تداوله بكثرة على منصات مثل: (فيسبوك، وإنستغرام، وتيك توك، وتويتر)، وغيرها، ويتضمن عادة الصور، ومقاطع الفيديو القصيرة، والنكات الممجوجة، والتحديات غير المفيدة.
واحدة من المشكلات الرئيسية للمحتوى التافه هي أنه يشجع على الاستهلاك السطحي، والترفيه الفوري، وبالتالي فهو يشكل تحدياً حقيقياً لدور المعرفة، وتطوير الفكر النقدي، فعندما يكون الاهتمام الرئيسي للمستخدمين هو مشاهدة محتوى غير مفيد، بل وتافه، فإنهم عند ذاك يغفلون عن المعلومات القيّمة، والمفيدة التي يمكن أن يحصلوا عليها من مواقع أخرى على شبكة المعلومات ذاتها.
إضافة إلى ذلك فالمحتوى هذا إنما قد يؤثر على الصحة النفسية إذ إنه من خلال تصفح تلك المحتويات الخفيفة عديمة القيمة يمكن أن يشعر الفرد معها بالإحباط، أو الغيرة، أو عدم الرضا عن النفس وخاصة عندما تتم المقارنة مع الحياة المثالية للآخرين التي تُعرض على هذه المنصات. كما أن ذلك ربما يؤثر أيضاً على العلاقات الاجتماعية عندما يثير المشاحنات، وليس النقاشات، بين المستخدمين، ويدفع إلى زيادة التوتر فيما بينهم.
فكيف إذن سيتم التغلب على هذه الظاهرة غير الصحية التي تكاد تصبح كالجائحة بعيداً عن محتوى هادف يسهم في الإلهام، والتثقيف، ويشكل تحدياً للتطور الشخصي، والاجتماعي في مواجهة استهلاك للمواقع غير صحي، ولا مسؤول؟ صحيح أن المحتوى التافه ربما يكون ضرورياً للترفيه والتسلية إلا أنه يتسبب في تداعيات طويلة الأمد، فالاستغراق في متابعة مثل هذه المواقع، وتتبع كل جديد تضعه على منصتها يستوجب معه الانصراف عنها لبعض الوقت كنوع من الهدنة، أو الاستراحة الرقمية بين حين وآخر مادام الاستغناء عنها ليس وارداً، وذلك حرصاً على الصحة النفسية، والعقلية لمستخدميها ولاسيما إذا ما أدرك المرء تلك الآثار السلبية التي تخلفها وراءها، والتي يتضح مداها مع الوقت، واستمرارية تداولها، فالوعي بالأثر السلبي لما يُستهلك من المحتوى إنما هو الخطوة الأولى نحو التحرر من سيطرة ما لا يجوز له السيطرة سواء على الوقت، أم المشاعر، أم القيم والقناعات، أو العلاقات الاجتماعية، ما يساعد بدوره على تجنب ما يهدم، ولا يبني.
إن استخدام منصات التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي لا يعدم تأثيره الإيجابي أيضاً في المجتمع عموماً، فإعادة التقييم الدوري لتلك المتابعات لحسابات، وصفحات لا قيمة لها، ولا تهم في شيء هو أمر ضروري، ونافذ في تحديد حدود واضحة للوقت الذي يُنفق في تصفح المحتوى، ومقاومة ما تحدثه من تأثير يجعل مستخدمها مغمضاً في سلسلة لا نهائية من الصور، ومقاطع الفيديو ليصعب عليه تِبعاً لذلك التركيز على مهام أخرى.
كذلك فإن محتوى الذكاء الخوارزمي الذي يشجع على المتعة العابرة التي يسوّق لها فهو كالوجبات السريعة إنما تسمن لتغني من جوع، في حين أن العلوم الاجتماعية تقف راصدة لأولئك الضحايا الذين يملكون الشهية المفتوحة على الشهرة الزائفة مع مَنْ ينساقون وراءهم.
وعلى الرغم من كل ذلك في زمن اندماج وسائل الإعلام، وبعد أن أصبح للرقمية فروع تخصصٍ لدى الجامعات، فإن منصة مثل (تيك توك) أو ما شابهها على سبيل المثال إضافة إلى ما تقدمه من ترفيه فقد أصبحت في خدمة الإعلام، والصحافة بآنٍ معاً ما يجعل بدوره من مهمة الانتقاء الهادف أمراً سهلاً لا صعوبة فيه إذا ما أردنا أن نخرج من دائرة التفاهة إلى ما ينطوي على القيمة.