لسنا بحاجة لمعرفة ما في جعبة بلينكن بجولته المكوكية بالمنطقة لذر الرماد في العيون الدولية، والايهام بمساعي واشنطن للضغط على العدو الصهيوني لوقف هجمته المسعورة على غزة، بعد أن ظهرت أميركا بلا رتوش إنسانية على خشبة المشهد وأيديها تقطر دماء أطفال غزة، فاللبوس الحربائي لثعالب الدبلوماسية الأميركية لم يعد يناسب المرحلة، والغمز من قناة التهدئة “رأفة” بمدنيين عزل تقتلهم “إسرائيل” بذخائر أميركية بات فجاً من وقاحته، ومجرد لعب عبثي على حبال الدجل المكشوف.
فما تحاول الادعاءات الأميركية المواربة فيه تفضحه الوقائع على الأرض، وما سعى بلينكن لتسويقه إعلامياً عن مساعي واشنطن لسحب صواعق تفجير المشهد الإقليمي، ولجم عربدة إسرائيل تكذبه حقائق الانخراط الأميركي في المذابح المرتكبة في غزة، وترك الحبل لنتنياهو على غارب إرهابه لتوسيع رقعة الاعتداءات بالمنطقة.
بلينكن لم يأت على جناحي الارتباك إلا محاولة لتلميع صورة أميركا القبيحة الملطخة بدماء أطفال غزة، وبدوافع هواجس الذعر من ارتدادات التضامن الوجداني العالمي مع عذابات الغزاويين، وتحميل أميركا مسؤولية شراكتها المعلنة سياسياً وعسكرياً في مجازر الإبادة الجماعية.
والخوض أكثر في أبعاد جولة بلينكن الحالية يقودنا إلى استنتاجات واضحة أن العدو عجز عن تحقيق أهدافه بشل قدرات المقاومة رغم القصف العدواني المتواصل لـ97 يوماً، ونتنياهو صعد إلى شجرة التصعيد متوهماً رتق ثقوب عنجهية عسكرية واستخباراتية سقطت بضربات المقاومة، وأصبح بحاجة من يقدم له سلم النزول بذريعة ضغوط يحاول الأميركي تعويمها على صفحة حرصه على السلم الدولي، وأميركا ذاتها باتت عالقة أيضاً في أوحال تواطؤها المعلن ومدانة من الضمير الإنساني العالمي.
بهلوانية بلينكين الإنسانية التي أرادها أن تغطي على لون الدم المسال في غزة مثيرة للاشمئزاز، ففائض الإجرام الوحشي الإسرائيلي بدمغة أميركية، وأوراق واشنطن التي تفردها على طاولة المنطقة محترقة، وحبال الإنقاذ التي تمدها لانتشال نتنياهو من أزماته وإخفاقاته مهترئة، والعالم لم يعد يتابع مجريات الأحداث بمنظار أميركي، فنوافير الدم المتدفقة في غزة فاضت من الشاشات العالمية، وباتت وصمة عار على جبين المنظمات الأممية وجبين الإنسانية.