الثورة _ نيفين أحمد:
يتقاعد الشخص على آمال وأحلام، ثم تنقلب بعض الأمور أحياناً، فيقع عدد من المتقاعدين “خاصة الرجال” في حالة من الاكتئاب.. وكما قال غابرييل سالغرين في إحدى دراساته “اعمل لفترة أطول تعش أصح”.
فمع الاقتراب من العقد السادس من العمر، كثيرون يرددون جملة “الحياة تبدأ بعد الستين”، جملة تمنح كثيراً من الطمأنينة للمستقبل القادم بعد الوصول لسن التقاعد، لكن هل بالفعل هناك حياة بعد الستين؟ هل يمنحنا التقاعد ما عجزت عنه سنوات الانشغال؟ وكيف تتغير طقوسنا المعتادة نحو عائلاتنا هل يمنحنا التقاعد سبيلاً جديداً للحياة.؟
“الثورة” أجرت عدة لقاءات للدخول في تفاصيل يومية معهم، وفي هذا السياق يقول أحمد- متقاعد منذ سنتين: بعد رحلة عمل استمرت أربعة عقود في شركة حكومية للدواء عشت وأنا أؤجل الأحلام لحين خروجي إلى التقاعد، حيث كنت أخطط للسفر والتجوال مع زوجتي في مدن كثيرة، ويتابع ممازحاً فيما اليوم لا يمكن بهذه الظروف أن نحلم بزيارة مدينة واحدة فقط.
الحياة لا تبدأ إلا بعد الستين
حال مطيعة التي فارقها أبناؤها للدراسة والعمل خارج البلاد، وبقيت وحيدة بعد التقاعد وتفكر بالبحث عن نشاطات تقضي بها فراغها الطويل، معتبرة أن حياتها بدأت من الآن بعيداً عن الضغوطات والالتزامات.
واقع التقاعد
يقول أبو محمد عن تجربته الشخصية: التقاعد لا يرقى لمستوى طموحاتنا المالية والاجتماعية، فالجميع يضع أحلاماً تفوق مقدرتنا البدنية والمالية، وتفوق مقدرة علاقاتنا الاجتماعية، التي كنا نعتقد أنها ستكون داعمة لنا في هذه المرحلة، لكن ما يحدث هو العكس تماماً وهذا ما حدث معي.
يتابع أبو محمد: يصيبنا شعور خيبة الأمل بعد مرور الوقت على الحياة الجديدة، فغالباً ما تكون التوقعات والخطط كلها غير صالحة للتنفيذ على أرض الواقع، لأن الخطط لا يمكن أن تبدأ في لحظة التقاعد، بل قبل سنوات من الخروج النهائي من العمل.
ويوضح صديقه أبو جميل، إن التخطيط لفترة التقاعد بعشر سنوات سابقة فترة كافية لتتواءم الخطط المأمولة مع الواقع المتغير، ففي كل عام ستجد أن هناك بعض الظروف قد تغيرت، حيث يفقد جزء منها صلاحيته بينما يستجد غيرها.
ويعتبر أبو جميل أن التخطيط للتقاعد لا يشمل الحسابات المالية فقط، بل يشمل الدائرة الاجتماعية، لذا يجب التفكير ملياً فيمن يشاركك تلك السنوات، هل سيكون في قائمة أصدقائك من هم على استعداد للوجود في دائرتك حينها؟ هل لديك صديق يمتلك الحماسة والقدرة على الفعل تطمح في أن يشاركك تلك اللحظات؟
ما يتبقَّى من العمل
وفي السياق ذاته، استوقفنا عدداً من الأبناء لمعرفة رأيهم من خلال عيشهم التجربة مع آبائهم، تقول رغد: عندما تقاعد والدي كان شخصاً عصبياً جداً ويدقق كثيراً في كل شيء، ناهيك عن “النق” كل الوقت، لكن بعد فترة وجيزة تأقلم على وضعه الجديد وأصبح شخصاً متعاوناً، فقد أصبح يساعد أمي في تدبير الأمور المنزلية على غير عادته ويتسوقان سوية وهكذا تغيرت حياتنا للأجمل.
صديقتها ضحى- خريجة علم نفس- تقول: من خلال دراستي أرى أن الاكتئاب مرتبط بافتقاد بيئة العمل والمشاركة الوجدانية بين جماعات تتقاسم الأفكار والمسؤوليات نفسها فيصبح فقدانهم خسارة تؤدي للاكتئاب.
وترى أن الفكرة التي تسيطر أحياناً على الوعي الجمعي للشباب بكراهية العمل والمسؤولية ستتغير حين يصل هؤلاء إلى سن التقاعد يفقدون الشعور بالمعنى الذي كان يمنحهم إياه العمل على الرغم من كل متاعبه فيظهر الاكتئاب والقلق نتيجة لهذا الفقدان، وهو النوع الأكثر انتشاراً لدى المتقاعدين من الرجال.
ففقدان القيمة ليس ما يؤدي للاكتئاب في سنوات التقاعد فقط، لكن فقدان الأحبة وخسارة الأصدقاء الذين رحلوا في تلك المرحلة العمرية كذلك فيبدأ لدى الشخص المتقاعد شعور باقتراب النهاية ويبدأ في تعداد خسارات عمره.
الحياة الصحية
العم أبو دريد- اعتبر أن الحياة تشبه آذار طالما رافقتها الصحة الجيدة، وهذا أكثر ما يعطي الإنسان رغبة في الحياة واستمرارية، لذا أنصح بمتابعتها لأنني استطعت أن أصنع حياة أخرى لي من بعد التقاعد بدءاً من ممارسة الرياضة بشكل يومي، فهي تزيل التوتر وتمنح السعادة التي نبحث عنها، وأثابر على تناول الطعام الصحي بالإضافة لقيامي بنشاطات أخرى، كالدروس الخصوصية علماً أنني خريج رياضيات، ولكن عملت في مؤسسة حكومية غير اختصاصي.
نلاحظ من خلال حياتنا أن علاقات الأشخاص بعد التقاعد تقتصر عند البعض على الأحفاد في محاولة منهم لاستمرار الشعور بقيمتهم، لكن لحياة أفضل في حال جرى تعزيز العلاقات وتنويعها مع الأخرين في تلك المرحلة العمرية ربما تكون من أهم الخطوات لمحاربة الاكتئاب.
السابق