الثورة – رفاه الدروبي:
تفرَّد التشكيلي موفق السيد بأسلوبه السريالي المعبِّر، وتميَّزت لوحاته برسم الفضاء والمكان والفراغ ومفاهيمها المتنوعة، من حيث التشكيل والتوظيف والتوافق الحر مع تصورات تنبع من فكره وذاته وحالات قلق ووجود وماورائيات خاصة.
الفنان السيد رأى أنَّ المرء يخرج من التعبيرية إلى الرمزية نحو سريالية معاصرة أجاد من خلالها محاكاة الواقع في الحلم والمتخيّل في كوابيس تبحث عن نفسها وهدوئها الملتزم بالفوضى المرتّبة والصداع المثير للفكرة فحلَّق في لوحاته بمفاهيم الفضاء والفراغ والمكان وجدلها الرمزي مع الكتل وأحجامها، من خلال اللون وتواتراته وتوظيف الشكلين المادي والمعنوي فأبرز الأرض المسكونة بالريح والعاصفة والموج الممتد القادر على قلب موازين الطبيعة وتغيير الحياة والمنافذ المفتوحة على العدم والعبث والوجود القلق، رغم اتساع الأفق.
يغلب على لوحاته الرموز الصاعدة من أرضها إلى السماء في الامتداد الأزرق المحاكي للفراغ، وحدها السماء ثابتة والأرض لغة أخرى تحاول أن تتشبّث بتاريخ المكان وجدل الذاكرة، وصورها تصارع التلاشي وتستيقظ عند كل عاصفة، واتساعها أفق يحتضن غرائبيتها ويستدعي الذاكرة لتحمل الحلم في ملامحها، حيث تتكوّن نقطة الالتقاء الأولى لتحدّد الموقف الجمالي من حكمة توحّد اللون وتفعيله الفيزيائي وتحرير طاقة تستنطق الفراغ، فتحرِّك من خلاله الأشكال وتستثير تجاذباتها لتقع في الترددات والصدامات والتلاحم بين الوعي الموثّق للذاكرة واللاوعي يستعيد رؤاه لتفسير المكان.
كما أوضح بأنَّه يلجأ في ترحاله الذاتي وفكرته المختلفة إلى موسيقا من اللون الطاغي على المكان المألوف والمشتهى والمُخبَّأ في ثنايا المفهوم بأسلوب يدمج الألوان الباردة والترابية والأبعاد الضوئية إلى حالات مع رسم وجدانياتها الساكنة والصاخبة كما في الحلم.
فالمكان لديه لم يعش فيه ولكنَّه يسكن حلمه فيمزج ترحاله وقلقه وذاكرته ومخاوفه مع الحلم، موظّفاً الفراغ التبادلي والإيجابي والسلبي مع الحركة والاستعارة والانعكاس الوهمي لعمارة ترتكز على التماوج بعيداً عن اليابسة؛ فالمكان ليس مساحة تحدّدها الجغرافية بل امتداد التفكر والبحث العميق من الوطن إلى الذاكرة.
كما يرى أنَّه يلجأ إليها كي ينتشل منها الكوابيس الضجرة بالبحث والتركيب والغرابة فيقتلع الانتماء لها في ماورائيات الانتظار والترقُّب والبحث عن الكيان الواسع، فالجداريات تسمح للون بالحركة الحرة وللكائنات بالانعتاق مع العناصر التشكيلية بالبحث عن توازن إيقاعها هواجس تنفض الأوهام من المكان لتحاكي باستعاراتها كلَّ ما تُخزِّنه الذاكرة في درجات الضوء والعتمة وهندساتها وثقوبها لتتسرَّب منها رؤى الواقع والتفوق عليه.
بينما لايتماثل الفنان للبحث بقدر ما يتشبَّث بالحلم كمحرّك لهروبه المتناقض منها وإليها إذ يحاول بالفراغ استفزاز المكان وفق إيقاع يتوازن وينفلت في توليفات اللون والأبعاد الضوئية.
إنَّ حركة اللون وانعتاقه ومداه المثير تمكّنه من معايشة الفراغ وامتلاك مفاهيمه وقراءتها ولذا استطاع بها أن يُغيِّر فلسفة اللاشيء بالفكرة واللون، بمرونة وتلقائية وأكثر اتساعاً وأداء فكأنَّه يتيح لها فرص التكامل معاً للاتزان مع الفكرة والمفهوم السريالي ونسق تصعيده الدرامي والتراجيدي والملحمي والصامت والموسيقي حسب ما تفرضه المفاهيم والمواقف وجمالية الهندسات التشكيلية.
فيما لجأ إلى علاماته البصرية المتنوعة من الواقع المرئي ومعالجاته البصرية المتخيّلة مايفتح أفقاً للتفسير حيث ينتشله من الأمكنة بتفاصيل الطبيعة والعمارة لتجسيمات تحدّد الرمز في الحجم واللون والمنفذ والثقوب والملامح والكثافة والحركة والمدار التكويني.