لو عدنا قليلاً إلى سنوات خلت نرى أن دمشق كانت ولاتزال إلى اليوم محط أنظار العالم إليها، فهي تحمل من كنوزالحضارة والإرث العريق ما جعلها محجاً للقاصي والداني، فجولة سريعة بين أحيائها وحاراتها ومعالمها الأثرية تكفي لنسطر فيها مئات الكتب والسجلات عن شوارعها التي مشى عليها القديسون والقادة والعلماء، وعن أوابدها التي تعود لغيرعصرمن العصور وأماكنها المقدّسة التي تحكي سفر الحياة المشتركة بين الطوائف جميعها، وربما لو بدأنا الحديث عن مآثرها نحتاج إلى المزيد من الصفحات ولسنا في هذه العجالة نرمي إلى ذلك.
ولكن نتطلع إلى طريقة منهجية علمية وخطط مدروسة للحفاظ على هذه الأوابد التي بدأ بعضها في التداعي بفعل الزمن وعوامل عديدة تمكنت منها وتركت آثارها بادية عليها بين تصدع هنا واهتلاك هناك وطمس معالم بعضها بيد البعض الذين عاثوا تخريباً من أجل ربح أو تجارة أو استثمار جائر.
مدينة دمشق القديمة التي سجلت على لائحة التراث العالمي لليونيسكو منذ العام ١٩٧٩ تئن اليوم تحت وطأة التعثر في ترميمها وفق المواصفات التي تحافظ على معالمها الأثرية وهويتها البصرية والتراثية والعمرانية، هذا من جانب، ولكنّها وعلى المقلب الآخر يمتد الزحف التجاري إليها لتكون سوقاً رائجة للكثيرمن رؤوس الأموال، مايهدد معالمها وهويتها بالتشويه وربما بالانحسار.
وبالطبع لايمكن تجاهل الجهود التي تبذل في هذه الفسحة العريقة من دمشق والغنية بتراثها وأوابدها، ولكن تبقى هذه الجهود قاصرة إذا لم تساهم فيها جميع الجهات المعنية، هذا إلى جانب مسؤولية الأفراد والمنظمات الأهلية في الحفاظ عليها وحمايتها من الخطر الذي يتهددها.
ولا يخفى على أحد دورهذه المنطقة السياحي والثقافي والديني وقبل كلّ شيء التراثي، فمن الأهمية بمكان اللجوء إلى خطّة للتعافي السريع لتعود إلى بهائها تستقبل عشاقها وتحكي للجميع قصة حضارتها وأمجادها، فلكل حجر فيها حكاية وفي كلّ موقع عبرة، وأوابدها تروي حكاية أبطالها الذين دافعوا واستبسلوا وضحوا من أجلها، فهل تكون ضمن دائرة الحبّ والاهتمام ونتنشق من جديد عبق ماضينا المجيد إرثاً حقيقياً لنا وللأجيال القادمة؟
بالمحبة والوفاء نسعى.