الثورة – أحمد صلال- باريس:
نظرة حزينة ولطيفة على أحد أكثر الأحياء تنوعاً في العاصمة الفرنسية.
مالك.. رجل أعزب في الأربعينيات من عمره، انتقل مؤخراً إلى مونمارتر، ويستقبل قريباً ابن أخيه رياض، القادم من الجزائر، في منزله، يكتشفان معاً بباريس حيّ الجالية الجزائرية، الذي ينبض بالحياة رغم الأزمة الصحية الراهنة، ستتيح له لقاءاته مع شخصيات محلية إعادة اكتشاف جزء من ذاته كان قد دفنه، والتواصل مجددا مع أصوله، والبدء في الحداد على أحبائه المفقودين.
حسن غويرا، المسؤول الصحفي الشهير في مسابقات مهرجان”كان”، يُصبح مخرجاً، كان هذا الفيلم الأول، الذي يحمل في طياته طابعا ذاتياً جزئياً، نقلةً نوعيةً ناجحةً تماماً، إذ يُصوّر حيا نابضا بالحياة اعتاد بعض الناس، الذين تغذّوا على المانوية الإعلامية، على تصويره كمكانٍ لا يُثير اهتماماً يُذكر.
يقع هذا الحي في الدائرة الثامنة عشرة بباريس بين مونمارتر وبيغال وغوت دور، ويتميز بمزيج من الثقافات والأعراق من جميع أنحاء العالم، وفيما لم تعد علامة تاتي التجارية الشهيرة تهيمن على المنطقة، إلا أن البازارات والتخفيضات، وخاصة سوق سان بيير، أحد أكبر متاجر الأقمشة في فرنسا، تجذب العديد من السياح والمتسوقين.
وإن إنكار المشكلات الناجمة عن مختلف أنواع الاتجار والجرائم البسيطة، يستلهم المخرج الفرنسي الجزائري من تاريخه الشخصي ومن كل ما لاحظه ليصور، بين التعلق والفكاهة، مجتمعا صاخباً بالتأكيد ولكنه قبل كل شيء متحد ودافئ. فيما عزل الحجر الصحي بسبب وباء كوفيد- 19 العائلات والأصدقاء، يسود جو ودود في هذا المطعم الصغير الذي يجذب زبائن منتظمين يبدو أنهم غير مهتمين بالإجراءات الصحية.
لقد عرفوا منذ فترة طويلة أنهم لا يستطيعون الاعتماد إلا على أنفسهم ولكنهم لا يشكون من ذلك، وقد عوّض البراعة والتضامن عن نقص الموارد المخصصة لهذه الأحياء المحرومة. بين الدراما والأفراح، والمقالب والرغبة الحقيقية في الخروج منها، تمتلئ القصة بالحكايات والتعقيدات، مدعومة بمجموعة من الشخصيات الملونة، عالم يعرفه حسن غويرا تماما والذي يعيد خلقه بأصالة مؤثرة.
يتميز السيناريو “الذي شارك في كتابته أودري ديوان، ورشيد بنزين، وبيتر دورونتزيس” بلمسات من البهجة والمرح، متجنبا الوقوع في فخ المبالغة في السرد، يتنافس الممثلون ببراعة لتجسيد شخصيات مفعمة بالإنسانية، سواءً كان ذلك توزيع طعام في كنيسة على يد امرأة طيبة القلب، تُضفي عليها كلوتيلد كورو طاقةً معدية، أو نقل قيم عائلية راسخة.
يقدم سفيان زرماني (فيانسو، اسمه الفني)، أداءً غنيا بألف فارق بسيط، من الوقاحة إلى الهشاشة، ولا يُستثنى زملاؤه في فريق التمثيل، فجميعهم ينضحون بروح الدعابة والصدق. وأخيرا، لا يضيع الإخراج الدقيق في اللقطات غير الضرورية، ويقود المشاهد إلى حيث يجب أن يذهب بالضبط. عُرض فيلم “باريس، جزائر صغيرة”، وهو فيلم صغير من إنتاج الجزائر، عرض ضمن مسابقة مهرجان أنغوليم السينمائي الفرانكوفوني، كرسالة سلام كريمة، قادرة على توحيد جميع الثقافات ومهرجان فينسيا السينمائي، أنه فيلم أصيل ومُرحّب به في هذه الأوقات.